د. نسيم الخوري بعد خروجه من الحكم، سُئل الرئيس الدكتور سليم الحص عن السرّ في الموافقة السريعة بالترخيص له بإنشاء «المنظمة العربيّة لمكافحة الفساد». قال ضاحكاً: «رشوناهم».الكلام أو الكتابة في الفساد والتغيير، تصادفه اليوم بين كلمة وأخرى وسطر وسطر آخر في لبنان. يتلوّى اللبنانيون بين الهمس والجهر المكلف عند تبادل أسماء الفاسدين. يستعيرون الأسماء الوهمية، التي تبقى قارات مجهولة معلومة أو قنابل موقوتة تحت الألسن.. إداريون كبار خرجوا من لحم أكتاف زعماء طوائفهم مثلاً، يفاجئون سامعيهم بسرد قصص الفساد. تطير الأحاديث نحو ماليزيا ومشاهد الوزراء يرمون في براميل القمامة، وتعود بالثناء على تجربة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أفرغ جيوب أمراء الفنادق المنتفخة في الفنادق.أيبشر صعود النبرة بالتغيير؟علامات استفهام ؟؟؟ وتعجّب!!!لماذا؟1- لأنّ لبنان بلد الفصول اللامتناهية. فصل يطوي آخر. ما إن نبست ريّا الحسن وزيرة الداخلية بكلمة الزواج المدني.. حتى دنا اللبنانيون من الحروب الطائفية متناسين أزماتهم وانهياراتهم وبيانهم الوزاري.2- كان العديد من اللبنانيين يسمّون سوريا ب«سويسرا الشرق»؛ إذ يتناولونها توريةً بالنقد. بعد خروجها من لبنان في ال2005 انفجرت الألسن المكبوتة دفعة واحدة، وما عاد يمكن ضبطها أو قياس مدى الأحقاد المكبوتة في نفوس اللبنانيين حيال سوريا في لبنان. يكفي اليوم التقاط غبار ما يتداول حول النازحين السوريين أو اللاجئين كما يحلو للبعض تسميتهم؛ لندرك أيّ مستقبل للتغيير في لبنان حافل بعلامات الاستفهام.3- لو قسنا المسافة الكامنة بين صورة ما كان عليه «حزب الله» وما أصبح فيه من نعوت تتراوح بين أقصى الإيجابيات وأقصى السلبيات، لسلخنا الأخوّة اللغوية القائمة بين كان وأصبح في كتبنا المدرسيّة، إلاّ إذا كان الماضي هو القاعدة والحاضر هو الاستثناء أو الإبراء المستحيل في معضلة التغيير.تراخت النيران في الموقد السوري ، وغرق اللبنانيون في الانهيارات الاقتصادية والمالية والنقدية والبطالة والهجرة. وبالتزامن، دأبت إحدى الصحف بنشر يومي مستمرّ لملفّات الفضائح والنهب المنظّم للدولة. كلّ ذلك تحت وابل اتّهامات الحزب بالفساد. وبالتزامن أيضاً راح زميل جامعي يجمع الوثائق المنشورة كمشروع لأطروحة دكتوراه؛ لكنه كما روى رمى أوراقه في برميل القمامة.4- التغيير مستحيل؟؟؟ إنّ الذهاب إلى الحروب الخارجية قد توحّد الداخل المذهبي؛ لكنّ الذهاب إلى الحروب الداخلية قد تشتّت الداخل. قصدت بهذه المعادلة أنّ «أبطال» الفساد يقيمون همساً في ألسنة الناس لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين أو اليد الواحدة. قلت همساً؛ لأنّهم عبر العقود الثلاثة منذ اتّفاق الطائف يستغرقون في الفساد والإثراء والجشع والمحاصصة في تقاسم المنافع والمال العام. يتناوبون ويتخاصمون ويتصالحون ويطبقون على لبنان وكان منهم حكّام أو مسؤولون بارزون في الحكومات ومصرفيون بدوا وكأنهم وكلاء للحكومات، وهم من أفصح الناس تعبيراً في مهاجمة الفاسدين.5 - لأنّ لبنان شبيه بإيطاليا حتّى الآن. فالفضائح التي هزّت إيطاليا خصوصاً في 1994 ودفعت بالإيطاليين إلى تسمية روما باسمها القديم«Tanjintopolli» أي مدينة الرشاوى، لم تهزّ أو تمنع زعامة رئيس حكومتهم سيلفيو برلسكوني الثري رقم ال14 في العالم من العودة إلى الحكم في ال2001 قائلاً: إنّه «يضحّي ويسدي خدمات للناس والدولة، وهو ليس بحاجةٍ إلى منصب أو سلطة». وحتّى عندما طرده الشعب من منصبه بعد خمس سنوات، مثبتاً للعالم بأنّ أضخم الثروات عاجزة ومحدودة في حماية الفاسدين وإبقائه في منصبه، علّق بالحرف واقتصاد إيطاليا ينهار تحت قيادته: إنّ «شعوراً أعمق ينتابني بأنّني أقدّم لهم بخروجي كما بدخولي إلى الحكم تضحية تاريخية». 6- أطلقت الحكومة اللبنانية السابقة وللمرّة الأولى وزارة جديدة ل «مكافحة الفساد»، سرعان ما شطبتها من الحكومة الحالية. وكأن لبنانهم هو ملعب فيما بينهم لتقاذف بالونات الماء؛ إذ يطلقون التسميات الوزارية ويلغونها لاهين وصارخين في جروح الناس. إنّهم كمن يدسّ مصّاصة الكاوتشوك في فم الرضيع؛ إذ يصرخ باكياً لأيّ سبب. يمصّ الطفل الهواء المجبول بريقه فيغفو ناسياً أنّ طبقة برلسكونية تمصّ عظام اللبنانيين وتجوّفها إلى درجةٍ هزال التظاهر بهياكل فارغة يُسمّى الرأي العام. هم أطلقوا تسمية وزارة البيئة من قبل فجاءت متزامنة مع كارثة براميل المواد الكيماوية التي طمرت في أعالي جبال لبنان أو رميت في الشواطئ اللبنانية، وتدهور الوضع البيئي ليحتل صفحات العالم وشاشاته مثالاً مخجلاً.تتغيّر الحكومات والبيانات والوجوه الوزارية في لبنان، لكنّ قواعد اللعبة السياسية تبقى رهينة علامات التعجب والاستفهام حتى الآن.
مشاركة :