ما إن وصلت حتى قلت لابني خذني إلى «بيتنا»، أعني آخر بيت لنا في الكويت قبل الرحيل، نادى ابني الذي شارف على الأربعين حارس البناية، سلمنا عليه وقال له: هذا الرجل أبي، هنا كان بيتنا، الطابق الخامس شقة 17، وأنا كنت طفلاً في سن هذا الطفل، مشيراً إلى ابنه الذي يبلغ عشر سنوات، هنا في هذه الساحة كنا نلعب، أنا وإخوتي مع أبناء الجيران، وهناك كانت تجلس أمي عصراً مع خالاتي الجارات، وفي المساء عندما يأتي أبي، وأعمامي الجيران من أعمالهم يجلسون، يتحدثون ويضحكون. هذا ما يعنيه «بيتنا» لابني، أما أنا فكنت أستمع لحديثه مع الحارس وشريط الذكريات يمر أمامي ببطء، فجأة أوقفت الشريط وسألته: ما أخبار محجوب (حارس العمارة النوبي على أيامنا)؟ ضحك ضحكة صعيدية أصلية، وقال: سمعت فيه، بس ده كان زمان تلاقي الراجل مات، قلت: فعلاً، فأنا أقف الآن في حضرة الماضي المستمر، قد يكون أكثر من محجوب مرّ على هذه البناية، كلنا كبرنا، ما عداها. الكل كبر، البعض رحل عن الدنيا والبعض إلى مدينة أخرى في هذا العالم المبتلى بالحروب، منهم المهاجر، اللاجئ، ولم يعد يجمعهم سوى الضياع وصراخ الضباع البشرية تنهش لحم الجمال. ثمة من عاد إلى بلده ليعيش غريباً فيه، ومنهم من عاد إلى وطنه ولم يجده. في هذه البناية كان المصري والفلسطيني والعراقي والسوري واللبناني والأردني والتونسي. المسلم والمسيحي والدرزي والصابئي، أطفالنا ما كانوا يعرفون بعضهم إلا بأسمائهم المجردة لا بأسماء بلدانهم، وزوجاتنا كن يعلمن بعضهن أكلات بلادهن من المسخن إلى المنسف إلى التبولة والملوخية وحتى المجدرة. لم نكن نختلف عن بعضنا ولا نختلف مع بعضنا، كنا عرباً في بلد عربي، وملاذاً لكل عربي، عيد كل واحد منا عيد للكل، وكان 25 فبراير من كل عام العيد الوطني للكويت عيداً لنا كلنا، أبناؤنا ينشدون: وطني الكويت سلمت للمجد وعلى جبينك طالع السعد وطني الكويت وطني الكويت وطني الكويت سلمت للمجد يا مهد آبائي الأولى كتبوا سفر الخلود فنادت الشهب الله أكبر إنهم عرب طلعت كواكب جنة الخلد وطني الكويت سلمت للمجد وعلى جبينك طالع السعد بوركت يا وطني الكويت لنا سكناً وعشت على المدى وطناً يفديك حر في حماك بنى صرح الحياة بأكرم الأيدي نحميك يا وطني وشاهدنا شرع الهدى والحق رائدنا وأميرنا للعز قائدنا رب الحمية صادق الوعـــــــد وطني الكويت سلمت للمجد وعلى جبينك طالع السعد وطني الكويت وطني الكويت وطني الكويت سلمت للمجد النشيد الوطني الكويتي كلمات الشاعر أحمد العدواني وتلحين إبراهيم الصولة، وقد بدأ استخدامه في 25 فبراير من عام 1978 واستمر من ذلك الوقت حتى الآن. وكانت فكرة عمل النشيد الوطني نابعة من مجلس الوزراء الذي كان يترأسه المرحوم الشيخ جابر الأحمد الصباح عندما كان ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء في عهد المرحوم الشيخ صباح السالم الصباح، وتم تشكيل لجنة من مجلس الوزراء برئاسة الشيخ جابر الأحمد. وتم عمل مسابقة مفتوحة لتقديم كلمات وألحان النشيد الوطني ليحل محل السلام الأميري الذي كان مستخدماً منذ استقلال الكويت عام 1961، وقد انتهت أعمال اللجنة إلى اختيار هذا النشيد كي يكون النشيد الوطني للكويت وتم تحديد يوم العيد الوطني في تلك السنة كي يكون اليوم الأول لاستخدام النشيد. وعلى الرغم من أن اختيار النشيد تم في عهد الشيخ صباح السالم الصباح فإنه لم يستخدم في عهده بسبب وفاته بتاريخ 31 ديسمبر1977، إلا أنه وكما كان مقرراً بدَأ استخدام النشيد بيوم الاحتفال بالعيد الوطني، وكان وقتها قد تم الانتهاء من فترة الحداد على الأمير الأسبق الشيخ صباح السالم الصباح، رحمه الله. شاءت الأقدار أن أزور الكويت هذه الأيام مع الاحتفالات بالعيد الوطني الثامن والثمانين والعيد الثامن والعشرين للتحرير لأستعيد ذكريات احتفالات سابقة وأرى أحفادي يكررون تاريخ آبائهم في رفع الأعلام الكويتية وعزف نشيدها الوطني، وأن أرى فرحة أهل الكويت بعيدهم مضاعفة خاصة بعد الجرح العميق الذي تسبب به من كان «شقيقاً» عربياً. طباعةEmailÙيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :