كتبت كريستين لاجارد مديرة عام صندوق النقد الدولي في مدونتها إنه ينبغي على الدول أن تلغي القوانين التي تمنع المرأة من العمل وذلك من أجل تعزيز اقتصادها، مشيرة بأن هناك دولاً كثيرة جداً تضع قيوداً كثيرة جداً للتآمر على المرأة حتى لا تصبح نشطة اقتصادياً. ولذلك ترى أن المرأة يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في النمو الاقتصادي إن هي وجدت أمامها ساحة مستوية لا مؤامرة خبيثة. وأنا أعتقد أن كلام لجارد يخص المملكة ولكن بشكل مختلف عن بقية البلدان. فنحن لا نتآمر على المرأة. فإذا كانت قوة عمل المرأة تستغل في العديد من البلدان على أساس أنها قوة عمل رخيصة. فإن وضعها في المملكة تكمن وراءه دوافع أو فلنقل قصة اقتصادية ولكن من نوع آخر. ولعل كلام سيدة صندوق النقد الدولي ينطبق على المرأة السعودية في الفترة التي سبقت ارتفاع أسعار النفط عام 1973. فقبل ذلك التاريخ كانت المرأة أكثر نشاطاً اقتصادياً من الآن. فهي كانت وقتها ترعى الغنم وتحلبها وتصنع اللبن والأقط وتجني المحصول وتبيعه في السوق. هذا بالإضافة إلى عملها في البيت. ولكن حتى في تلك الحقبة من الصعب أن نتحدث عن استغلال المرأة وانخفاض أجرها فهي كانت تعمل ليست كأجيرة وإنما كأم أو أخت أو زوجة. بيد أن هذه العلاقة قد بدأت تتغير عندما أخذت أسعار النفط في الارتفاع. فمع طفرة المداخيل في السبعينات من القرن المنصرم أصبح الأجر الذي يحصل عليه رب الأسرة ليس فقط كافياً لسد أوده واطعام وإكساء زوجته وأطفاله، وإنما يفيض عن كافة الاحتياجات. الأمر الذي مكنه من فتح حساب في البنك وتعزيز رصيده فيه شهراً عن آخر. وفي ظل هذه الوفرة المالية أصبح عمل المرأة ليس ضرورياً. وسنة بعد أخرى صارت بطالة المرأة أمراً معتاداً. والعادة مع الزمن تتحول إلى عرف. والعرف هو أحياناً بمثابة القانون. وفي ظل هذا التراخي الذي كان يعيشه المجتمع أو فلنقل الترف الاقتصادي كان لا بد من ظهور أيدلوجية ثقافية تدعم ذلك. وهكذا انتقل تبطل المرأة وانفصالها عن سوق العمل من المجال الاقتصادي إلى المجال النظري والفكري. وقد رأينا تعدد الفتاوى التي تحرم عمل المرأة وتمنعها حتى من سياقة السيارة التي تملكها. بالفعل فإن الناس تعمل من أجل أن تعيش وترتاح. فإذا كان ذلك ممكناً بالحد الأدنى من طاقة المجتمع فإن الضرورة لعمل الجميع تنتفي. ولكن ذلك لا ينطبق على الوضع اليوم. فالمعادلة بدأت تتغير بعد تزايد أعدادنا السكانية وتراجع الأجور إلى وضعها الطبيعي. فالوضع الاقتصادي الآن لا يشبه الطفرة التي عشناها بعد عام 1973. فدخل فرد واحد في الأسرة، أو بالأصح في العديد من الأسر، لم يعد كافياً لتلبية كافة متطلباتها. ناهيك عن التوفير من أجل المستقبل. ولهذا فإن القاعدة الاقتصادية قد أصبحت مهيأة الآن لمشاركة المرأة في العمل أكثر من أي وقت مضى. فالضرورة الاقتصادية سوف تجبرنا على هذا الأمر. لأنه بدون ذلك سوف يكون من الصعب بناء أسر سعيدة قادرة على تلبية ما تحتاجه أو جله.
مشاركة :