الانكشاف العربي الكبير | وائل مرزا

  • 3/1/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن الاتفاق الممكن الوحيد في لعبة توازن القوى العالمية الراهنة بات يتمثل في الاتفاق على المنطقة العربية. فرغم التنافس الشرس الذي يجري على كثير من القضايا الحساسة في العالم، يظهر واضحاً أن اللاعبين المؤثرين أدركوا أن كعكة العالم العربي هي الكعكة الوحيدة التي يمكن استباحتُها دون كثير عناء.. لهذا، لايبدو أحدٌ من أطراف النظام الدولي، في وارد الاهتمام الحقيقي بمصلحة العرب. هذا في أحسن الأحوال. أما القاعدة، فإنها تتمثل في بذل كل جهدٍ ممكن، من الأطراف الدولية للحصول أيضاً، على قطعةٍ من الكعكة المذكورة.! ثمة سؤال بدهي هنا: مَنْ في هذا العالم المتوحّش، سياسياً واقتصادياً، يريد أن يدفع أي ثمن ليقف إلى جانب قضيةٍ يؤكدُ أصحابُها أنها خاسرةٌ ؟ مثالٌ واحد: بالنظر إلى دلالات الهجمة الإيرانية الكاسحة والمُعلنة في مواقع استراتيجية مدروسة من المنطقة العربية من جهة، وتحليل كيفية استخدامها أوراقاً كُبرى في المفاوضات (الاستراتيجية) بينها وبين أمريكا وأوروبا من جهة أخرى، بحثاً فيما يبدو عن نظامٍ جديد للمنطقة، يلوحُ مانشهده أقربَ لما يُمكن تسميته بزمن (السوابق) المفروضة على الواقع العربي. ومن خلال هذه العملية، تجري صياغة قوانين هذا النظام ومعادلاته الجديدة، سابقةً في إثر سابقة. تحدثُ السابقة الأولى، ويجري تمريرُها بتدرجٍ وهدوء، وبهمساتٍ تبعث رسائل بالطمأنينة ، وبأن الأمر معزولٌ في إطاره الجغرافي المعين. وفي الحقيقة، يتم ترسيخ جزءٍ مدروس من أمر واقع جديد، ربما يُواجهُ في أحسن الأحوال بدرجةٍ من (الاستنكار) و(الشجب) النظري. ثم تحدث السابقةُ الثانية، فيُصبح التعامل معها أصعب، بعد زيادة تعقيد الصورة من جهة، واستمرار همسات ورسائل الطمأنة من جهةٍ أخرى، فتقلُّ حتى أصوات الاستنكار. ومع السابقة الثالثة، ينقلب الأمر واقعاً كبيراً يفرض نفسه ويُصبح مطلوباً، ليس فقط ضرورة التعايش معه، بل والتصريحُ، هذه المرة، بأن وجودهُ يتطلب تنازلات استراتيجية وتغييرات جوهرية. هذا هو نصيب المنطقة من النظام العالمي المتغير الذي يتنافس الجميع، وبشراسة، على تحديد ملامحه، وغنائمه، الجديدة. هكذا يدخل العالم العربي في حلقةٍ سوداء مفرغة لانهاية لها. من انكشافٍ يفتح الباب لمزيد من الاستفراد. واستفرادٍ يسمح بتمرير مزيدٍ من السوابق. وسوابق تؤدي إلى انكشافٍ لاتبدو له حدود! وفي جوٍ عربي مليء بالحسابات الخاطئة. وبالغرق في لعبة الحفاظ على الكراسي (الموسيقية) أو القفز إليها. يتوهم البعض أن للعبة الاستفراد نطاقاً لاتتجاوزه. ويظن أنه خارج ذلك النطاق. فيغمض عينيه عما يجري في أحسن الأحوال. أما في أسوئها، فإنه يساهم، بقصدٍ أو بجهل، في ترسيخ ظروف الانكشاف وعوامل الاستفراد. وكما ذكرنا سابقاً: "يجهلُ هؤلاء، أو يتجاهلون، أن تلك المعادلة صارت القانون الأساسي للتغيير الكبير القادم في المنطقة. يَغفلون أن في كل بيت عربي أكثر من (مسمار جحا).. وأن هذه المسامير لم تُترك معلّقةً حتى الآن لسواد عيون أهل البيت. وأن (جحا) سيعود، مرةً إثر أخرى، وبألف طريقة، ليرتب البيت وفق حاجات مسماره! . لاداعي عند (جحا) للعجلة في واقعٍ يُعاند حقائق التاريخ والجغرافيا والسياسة والاجتماع البشري. لاداعي عنده لتشتيت جهده وإمكاناته في مشهدٍ فَقدَ ملامح التنسيق و إمكانات المبادرة. لاضير في نظره من الصبر والتدرّج. في منزلٍ فُتحت أبوابُه ونوافذه للرياح . ما العمل في مواجهة هذا الواقع؟ هل يُدرك الجميع هذه الحقيقة تمهيداً للتعاون على التعامل معها؟ أم أن ثمة أولويةً للقيادة المتوازنة، ولكن الصارمة والحازمة في نفس الوقت؟ هذه أسئلة المقال القادم. waelmerza@hotmail.com

مشاركة :