بينالي الشارقة 14.. الفن يبحث في تاريخ الشعوب

  • 3/9/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: عثمان حسن تثبت الفنون في كل مرة قدرتها على اختراق الحواجز النفسية والاجتماعية والسياسية، هذا ما يلخص مجمل الأعمال الفنية المشاركة في النسخة الرابعة عشرة من بينالي الشارقة الذي ينعقد تحت شعار «خارج السياق». «33 امرأة»، هو أحد الأعمال التي يشرف عليها قيّم البينالي عمر خليف، وهو مشروع قدمه الفنان ألفريدو جار، بمشاركة جي إيون جانج ولور بوبارد وبابلو مونتيليجري، والعمل يسلط الضوء على تجارب مجموعة من النساء من خلال فن البورتريه، بين هؤلاء النسوة سياسيات وناشطات في مجال حقوق الإنسان، وبينهن مفكرات وكاتبات، ونساء عاديات كانت لهن أدوار بارزة في مجتمعاتهن. يكتب عمر خليف عن هذه التجربة: «هل أصبح فن البورتريه ظاهرة كونية؟ ورغم أن إنتاج الصور قد أمسى في متناول الجميع جراء التكنولوجيا الرقمية، إلا أن ما يمنح التفويض لالتقاط صورة، هي أسئلة لا تزال مثيرة للجدل». وفي تصور خليف أن هناك الكثير مما تم حجبه عبر التاريخ، عن أعين الجمهور، وهو هنا يشير إلى أدوات التحكم بمختلف أشكالها، سواء كانت سياسية، أو اجتماعية، أو فكرية، وهي تمارس نوعاً من الحجب، أو الرقابة، وتفوت على الكثيرين فرصة التعرف إلى أنماط من العلاقات البشرية في جانبيها الحياتي والإنساني، لاسيما ممن كانت لهم أدوار ثقافية، تقدم تجربة مختلفة، يمكن الاستفادة من قوتها في إحداث نقلة نوعية في تطور المجتمعات. النساء في هذا المشروع هن بطلات، وسباقات في النضال والمغامرة للخروج من السائد، وإحداث المفارقة. على سبيل المثال، هناك العراقية ينار محمد التي أنشأت شبكة من الملاجئ التي تهدف إلى حماية ضحايا العنف المنزلي، والجسدي، وهي تقيم في كندا منذ تسعينات القرن الفائت، عادت إلى العراق في عام 2003، فشهدت الكثير من العواقب التي خلفها الغزو الأمريكي، ودخول البلاد في حرب أهلية ما زالت آثارها قائمة إلى اليوم. وفي هذا المشروع هناك أيضاً الكاتبة والصحفية الفيتنامية «تا فونج تان» التي كانت ضابطة شرطة، فأنشأت مدونة في 2006 حملت اسم «العدالة والحقيقة» كشفت من خلالها عن كثير من الجرائم التي ارتكبتها الحكومة، لا سيما فساد سلك الشرطة، في إطار سعيها للدفاع عن حقوق الإنسان، وهناك أيضاً «ليديا كاتشو» الصحفية والكاتبة المكسيكية، المدافعة كذلك عن حقوق المرأة، التي انتقدت باستمرار ثقافة الإفلات من العقاب في المكسيك، وهي انتهاكات اجتماعية مختلفة تطال الأطفال والنساء بكل أشكال العنف، بين الاغتصاب، والسجن، والتهديد بالقتل، وغيرها. «ظهور من وجهة نظر» هو عمل للفنانة الأمريكية «وو تسانج» وهو عبارة عن أجهزة عرض بإسقاطات متداخلة لنظام الفيديو، تستكشف من خلاله معاناة نحو نصف مليون لاجئ غادروا جزيرة ليسبوس اليونانية، الواقعة شمال بحر إيجة، متوجهين إلى الولايات المتحدة، بهدف توثيق الحقيقة. ويدمج العمل بين قوة الصورة بالاستفادة من التاريخ والأسطورة والخيال العلمي، ويسرد قصة الجزيرة والهجرة عبر المكان والزمان. وتقدم الفنانة «ليسا ريحانة» من أوكلاند، عملاً بنظام الفيديو ثلاثي الأبعاد، بعنوان «بدو البحر» تستكشف من خلاله سرديات ثقافية لشعوب «الماوري»، وجزر جنوب المحيط الهادي، ويقدم عملها لوحات سينمائية غنية بالدلالات، استمراراً لأعمالها السابقة في توثيق الحقبة الاستعمارية في جنوب المحيط الهادي. وفي هذا العمل يمكن للمشاهد، أن يربط بين الصورة والخلفية التاريخية والاجتماعية لهذه الشعوب، ثمة ما هو تقليدي وأسطوري، يعبر عن كنز روحي غني، وثمة بطلات، ونساء متمردات، كشخصيتي «باكيهاو» و «يوهي»، وثمة عوالم عن الزواج، والتجارة، والحروب، والبنادق، ومالكات الأراضي. الخلفية التاريخية لهذا العمل، تستند إلى شعوب «الماوري» الذين أذاقوا البريطانيين مرارة القتال في حربين رئيسيتين، كافأتهم عليها بريطانيا بالإهمال والإقصاء. تعرض بعض الشعوب للظلم والاضطهاد، أحد موضوعات البينالي، نجده عند الفنان الفيتنامي «توان نجوين» بعنوان «طيف أسلاف يرتقون»، يستكشف من خلاله أفكاراً حول الاغتراب، ويسلط الضوء على قوة الخيال لإضفاء معنى جديد على قصص حركات الاستقلال، والغربة، والمستعمرين الغربيين، وغير الغربيين. العمل الذي قدمه نجوين عبارة عن فيديو تركيبي، يلقي نظرة على رعايا الاستعمار الفرنسي المعروفين باسم «الرماة السنغاليين»، و«رماة الهند الصينية الماهرون» ممن خاضوا حروباً في صفوف الجيش الفرنسي حتى أواسط القرن العشرين. كان الجنود السنغاليون من بين القوات التي تم نشرها في الهند الصينية لمحاربة الثورة الفيتنامية المناهضة للحكم الفرنسي، وأثناء الحرب، وعقب هزيمة فرنسا في معركة «ديان بيان فو»، هاجرت المئات من النسوة الفيتناميات مع أطفالهن إلى غرب إفريقيا بصحبة أزواجهن السنغاليين، الذين تمركزوا في الهند الصينية، وهجر العديد من الجنود الآخرين زوجاتهم، وأخذوا معهم أطفالهم فقط، بينما أخذ آخرون أطفالاً من أصول مختلفة، أو أطفالاً فيتناميين لم يكونوا من صلبهم، ليترعرعوا في السنغال، وعمدوا إلى قطع أي صلة لهؤلاء الأطفال مع جذورهم. ومن نيجيريا تقدم الفنانة «أوتوبونغ وإيميكا» عملاً بعنوان «إزميل الماضي الصلب» في بيت العبودي التراثي بالشارقة، وهو عمل متعدد الوسائط، يستكشف الشيخوخة التي تدمر الحلم، وهو يتكون من مواد بشرية وكائنات حيوانية وعضوية وغير عضوية، ويدور حول البدايات المشعة بالأمل في مقابل الشيخوخة حيث الهرم والفناء. وتقدم الفنانة مقاربة لاستعادة الأمل بتشكيل فضاء بيئي، من فوهات مائية تحيط بها تلال رملية، مع التسجيل الصوتي لحكايات من التراث، وهو ركيزة مهمة في العمل الذي يشي بالأمل والحياة. من جهة أخرى، يقدم عمل الفنان الصيني «تشيو تشيجي» وهو مفكر جامعي، وقيّم وفنان مختص بالرسومات الصينية التقليدية، مصادر ومواد مختلفة تستقصي دور الخط الصيني القديم «الحبر» في تشكيل معرفة، وفلسفة، وحياة اجتماعية دأب الخطاطون الصينيون على استثمارها في تقديم سرد تاريخي وثقافي، للشعوب والقبائل والسلالات التي سكنت الصين. ويمتلئ عمل تشيجي بكثير من الطقوس والشعائر والمعتقدات، التي يوظفها تبعاً لبحث فلسفي عميق، وثمة محاور عدة في هذا العمل الذي يمتلئ بالخرائط والرسومات والتعليقات التي تغوص في حقب وأزمان مختلفة، وثمة الكثير من التفاصيل الدقيقة التي تقدم فضاء دلالياً ومعرفياً وجيوسياسياً عن تلك الفترات التي شكلت في مجموعها ثقافة الصين الجديدة. لكن، ومن جهة أخرى، ثمة الكثير من النقد لكثير من التعصب والأنماط الاجتماعية الوثنية التي شكلت في مجموعها، أثراً وقيمة ومساراً في حياة الشعوب في الزمن الحالي الذي نعيش فيه. الفنانة البريطانية «هيثر فيليبسون» تعرض عملاً بعنوان «المطهرات الحلقية الهادرة»، وهو عبارة عن عمل تركيبي من شاشات عرض وسماعات وورق مطبوع، ومواد من الألياف والنباتات المختلفة كجوز الهند، والمواد البلاستيكية والمعدنية، وخلافها. وتظهر أعمال فيليبسون كسلسلة مترابطة ومنظمة مكانياً، وهي مؤلفة من فيديوات معروضة، إضافة إلى مجموعة من الصور الملتقطة من خلال الإنترنت. ومن خلال تقنيات التضخيم والتلاعب بالموسيقى والمزج والتكرار، تتشكل سلاسل هرمية من المواد والأفكار، التي لا يمكن أن تنتظم تحت منظور موحد. وفي هذا العمل ثمة بعد سياسي واجتماعي ناقد، يشير إلى الأزمات الصغرى والكبرى، اعتماداً على كثير من المراجع الثقافية، وثمة وسائط متحركة من النظم والعوالم والمخلوقات التي تقدم فضاء موزعا بين الكوميديا والملهاة، وثمة شعر كذلك يقدم مادة غرائبية، فيها الكثير من الانطباعات الشخصية والنوازع الغرائزية، في معمعة الحاضر الذي يتشكل على نحو غرائبي، وربما فانتازي، وربما أيضاً مدمر، ومهدد للحياة البشرية برمتها. صدام عاصف الفنان والكاتب والمصور الفلبيني «كيدلات تاهيميك» يقدم عملاً بعنوان «صدام عاصف بين إلهتين من إلهات الريح.. الحرب العالمية الثالثة، حرب الثقافة الألمانية، العنصرية المديدة»، حيث يعمل على مقاربة من شأنها تحرير السرد القصصي من ضرورة وجود زمن وحيد، أو نهاية واحدة. وترتكز مقالاته، التي يترجمها من خلال الأفلام والعروض والمنحوتات، على العلاقات القائمة على الاحترام العميق في مجتمع الفلبين، المكون من السكان الأصليين لسلسلة جبال كوردييرا. ويتصدى فنه للبنى الاجتماعية التي تتضمن القيم الثقافية للذوق والسلوك العام والمواقف السائدة، ويعكف عمله على نقد ثقافة الاستهلاك التي تهمل الحياة الحقيقية للسكان الأصليين، لمصلحة ما تقرره «هوليوود» في صورة حديثة من صور الاستعمار الثقافي.

مشاركة :