«بينالي الشارقة 14».. الفنون ترسم الأمل

  • 4/2/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: عثمان حسن مقترحات جمالية وثقافية كبيرة في «بينالي الشارقة 14» عبر شعاره «خارج السياق»، بمشاركة نحو 90 فناناً عالمياً وعربياً، يقدمون تجارب غنية من عروض الأداء والأفلام والمنحوتات والأعمال التركيبية، وتلك التجارب التي تزاوج بين النص والحركة والصورة.. تجارب تستقرئ «الشعار» لمشاركين في مختلف التخصصات: في التصوير الفوتوغرافي، وفي النحت، وفنون الفيديو، وبمشاركة فعالة من النقاد والمفكرين المشهود لهم بالتميز. هذه التجارب ساحتها الواقع، ومعطيات الواقع المعاصر؛ حيث المجتمع بتشابك علاقاته الاقتصادية والسياسية والثقافية، فضلاً عن تقاطعه مع الخيال والتاريخ والأسطورة. إن قراءة واعية في هذه التجارب، تشكل عتبة لفهمها، والتي من المؤمل أن تستشرف مستقبل العلاقات الإنسانية، في ضوء ما بات موغلاً في القسوة، والوحشة، وساحة الحروب الدولية والإقليمية. هي أفكار، تحاول أن تطرح أسئلة، وتقترح إجابات، وهذه هي وظيفة الفن، وخبرة الفنان في انشغالاته، وسعيه لتشكيل ناظم فكري وجمالي، يؤكد الهوية الإنسانية المشتركة، هذه الهوية التي يبدو أنها تتعرض في الزمن الحاضر لتشوهات حقيقية، في ضوء هذا الفضاء المتداخل، وتلك الجغرافيا الشاسعة والصراعات البينية والتاريخية، مع تقاطعها مع مشكلات العولمة وتأثيراتها المعاصرة، في الاستغلال والاحتكار. يفكر قيّمو البينالي في كل هذه القضايا وتشعباتها المختلفة، فتحضر على منصاتهم، أعمال فنية تستشرف ذلك كله، فتسافر أعمالهم عبر الزمن، والثقافة، والتاريخ، والجغرافيا في رصد حركة البشر وأزماتهم الصغرى والكبرى، بالنسبة لهؤلاء، الواقع ليس كتلة متجانسة، هو مزيج معقد، وملمح يتشكل من ثقافة الاستهلاك، وتنامي قضايا البيئة، ومشكلات العنف وتغير المفاهيم، وهوس التكنولوجيا، وتلاشي مساحات الحوار والتلاقي. الفنان الفلبيني «كيدلاك تاهيميك» يستدعي في عمله «صدام عاصف..الحرب العالمية الثالثة، العنصرية المديدة» كائنات أسطورية وتاريخية فيستنبط تأثيرات الحرب ومآسي العنصرية، ويغوص من خلال ذلك كله في مجتمع الفلبين الذي يتكون من السكان الأصليين، فيتصدى للبنى الاجتماعية السياسية، هذا العمل ينطق بسرد قصصي، يحاول تقديم إجابات معاصرة عن إرهاصات الحاضر، كما يدعو إلى الانسجام مع الآخر والبيئة، متمثلاً مقولة «أنا موجود في الآخر». هذا الطرح الإنساني العميق، نجده عند السلفادورية «ألين بايانا» التي تدرس موضوعات العدالة والبيئة والمجتمع وما في ذلك من خرافة وسحر وأسطورة، في ضوء تأثيرات العلوم والمفاهيم المجردة، فيربط عملها بين بناء محطات الطاقة الكهربائية في البرازيل ولبنان، في البرازيل، هناك نهر تاجابوس الرافد الرئيسي والوحيد لنهر الأمازون، الذي لا يزال بحاجة إلى إنشاء سد عليه، وهذا وفقاً لمعتقدات المجتمعات المحلية، يمكن أن يسبب تأثيراً اجتماعياً وكونياً قاسياً، فالنهر، محميٌّ بواسطة ثعبان، وهناك مدينة مسحورة في قاع النهر، فيها أناس ذوو قدرة على التحول، يلتقون مع كائناتٍ مسحورة، وبالمثل فإن نهر إبراهيم في لبنان في وادي أدونيس، وفقاً للأسطورة يتحول إلى اللون الأحمر مرة في السنة، بسبب دم أدونيس وهو تحول مفسر في التربة الحمراء التي تحملها أمطار الشتاء، وهذا يحذر المسؤولين من مغبة إنشاء السد على النهر، فذلك سيزيد من مخاطر الزلازل، ويعرض المخزون المائي لبيروت إلى الخطر. لكن، ماذا عن الزمن الحالي وحروب الحاضر ومآسيها، هذا ما نجد مقاربة له في عمل الفنان «هرير سركيسيان» البريطاني من أصل سوري؛ حيث يمزج بين النحت والصورة الفوتوغرافية والفيديو، ويشتغل على ثيمات معاصرة، مستنداً إلى التاريخ، باحثاً في ما تم فقده أو خسارته، بفعل الحروب، والهجرات المعاكسة، هذا الفقدان، لا يقاس بوصفه خسارة بشرية محضة، وإنما كذلك بوصفه خسارة ثقافية وعلمية وإنسانية كبيرة. يمزج سركيسيان بين أشكال متعددة من الفنون، فيقدم في «بقايا 2018» صورة لامرأة في حقبة الخمسينات من القرن الفائت، يجري فحصاً على الصورة بالمسح الضوئي ثلاثي الأبعاد، وباستخدام مواد تقنية، كتكبير الصورة، يلاحظ حجم الفقد والتشويه الذي طال المرأة، وهو تشويه نلاحظه ونعيشه في كثير من بقاع العالم. في عمله «أفق 2016» يقترب أكثر من آثار الحروب، فيصمم «مقطع فيديو» يتتبع رحلة لجوء بحري، لأشخاص غادروا سوريا مروراً بموانئ وأماكن متعرجة وخطرة عبر تركيا حتى اليونان، وفي عمله «رحلة الطيران النهائية 2017 -2019» يشتغل سركيسيان على ما يشبه الحفر الآثاري، لقصة الطائر «أبو منجل الأصلع» الذي تم الإعلان عن انقراضه في العام 1989، إلا أن العام 2002 كشف مستعمرة لسبعة من هذه الطيور في الصحراء السورية بالقرب من تدمر.. لكن اندلاع الحرب أوقف البرنامج، فاختفت الطيور مرة أخرى، في الوقت الذي دمرت فيه تدمر جراء الحرب في 2014. أعمال كثيرة تستكشف بشاعة الاغتراب والظلم والاضطهاد، وأعمال كثيرة تبحث في تاريخ الشعوب، وتحاول استعادة الأمل في بقاع كثيرة معرضة للأذى، هو سؤال الفنان، ومقترح البينالي، لمقاربة ذلك كله من خلال العرض الأدائي والموسيقي، ومن خلال الرسومات، ومن خلال الميديا المتنوعة، وأيضاً من خلال الغوص في تراث ومعتقدات هذه الشعوب، وما فيها من طقوس ومعتقدات.. برسم حياة أفضل وغد مزدهر ومشرق.

مشاركة :