تحدثت في المقال السابق عن الدراسة التي أعدها باحثون في جامعة جورجيا الأمريكية ودرسوا فيها كل ما يتعلق بالهجمات الإرهابية في أمريكا بين عامي 2006 و2015, وتوصلوا إلى أن الهجمات التي شنها مسلمون تبلغ نسبة 12.5% فقط من هذه الهجمات. أي أن نسبة 87.5% من الهجمات شنها أشخاص لا علاقة لهم بالإسلام والعرب والمسلمين. ومع ذلك، فإن الإعلام الأمريكي يتجاهل تماما هذه الحقائق ويركز فقط على الهجمات التي يشنها مسلمون. من هم هؤلاء الإرهابيون الذين يتعمد الإعلام الأمريكي، والساسة أيضا، التستر عليهم؟ للإجابة عن السؤال يكفي فقط ان نتوقف عند هذه الواقعة الإرهابية. الشهر الماضي، ألقت الشرطة الأمريكية القبض على ضابط برتبة ملازم في قوات حرس السواحل الأمريكي، كان يخطط لارتكاب مجزرة مروعة والقيام بهجمات إرهابية لقتل عدد كبير من الساسة والإعلاميين. وعثرت الشرطة في منزله على ترسانة من الأسلحة والمتفجرات. المصادر الأمريكية ذكرت أن الضابط ويدعى كريستوفر بول هاسون، يصف نفسه بأنه «قومي أبيض»، وكشفت الشرطة عن مسودة رسالة إلكترونية، تعود إلى يونيو عام 2017, كتب فيها: «أحلم بطريقة لقتل آخر شخص على وجه الأرض. أعتقد أن الطاعون سيكون أنجح الحلول، لكن كيف أحصل على الإنفلونزا الإسبانية اللازمة لذلك، أو الجمرة الخبيثة، لست متأكدا بعد، لكني سأجد طريقة ما». هذا الإرهابي الذي يريد قتل أي انسان غير ابيض هو نموذج يجسد هؤلاء الإرهابيين الذين ينفذون الأغلبية الساحقة من الهجمات الإرهابية في أمريكا. هم أفراد وجماعات وقوى قومية يمينية عنصرية ويطلق عليهم عادة «الإرهابيون البيض». المشكلة الكبرى أن الساسة والإعلاميين في أمريكا لا يطلقون على هؤلاء لقب إرهابيين أصلا على الرغم من كل المجازر التي ارتكبوها. يطلقون عليهم متطرفين أو متعصبين أو ما شابه ذلك. ليس هذا فحسب بل أنهم كثيرا ما يلتمسون لهم الأعذار من قبيل القول إنهم مختلون عقليا. وبشكل عام، كما توصلت الدراسة التي اشرنا إليها، فإن الإعلام الأمريكي يتجاهل الإرهاب الذي يمارسه هؤلاء ويركز فقط على الهجمات التي يشنها مسلمون. هذا التستر والتجاهل للإرهاب الأبيض قاد الى تفاقمه أولا، وحرف الأنظار عن جوهر الأسباب الحقيقية للإرهاب في أمريكا، ومن ثم طرق معالجته والتعامل معه. والحق أن كثيرين في أمريكا ينبهون إلى ذلك منذ فترة طويلة ويحذرون من مخاطر التعامل مع قضية الإرهاب بهذا الشكل والتركيز فقط، من دون وجه حق, على الهجمات التي يشنها مسلمون. على سبيل المثال، قبل فترة نشرت جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية تحقيقا موسعا عن القضية قالت فيه انه «على مدار عقدين من الزمان، تجاهلت استراتيجية مكافحة الإرهاب الداخلي تنامي خطر اليمين المتطرف. وفي جو من اللامبالاة المتعمدة، نمت حركة خطيرة وتوسعت»، مشيرة إلى أن المتطرفين البيض وغيرهم من المتطرفين اليمينيين قتلوا منذ 11 سبتمبر 2001 أكثر من أي فئة أخرى. أيضا، قبل فترة، نشرت مجلة «فورين افيرز» الأمريكية الشهيرة تحليلا مطولا كتبه اثنان من الخبراء عن القضية، قالا فيه: «المنظمات الجهادية لم تعد هي التهديد الإرهابي الأساسي الذي يواجه أمريكا. التهديد الإرهابي الأول يتمثل في أفراد وجماعات يحصلون على السلاح بكل سهولة، ولديهم أفكار يمينية آيديولوجية متطرفة شتى». وجاء بالتحليل أيضا: «اليمين الإرهابي تحركه دوافع كثيرة من عنصرية ومعادية للحكومة ومعارضة للإجهاض وما شابه ذلك من أفكار. وهذا التهديد الإرهابي الجديد الذي تواجهه أمريكا لا يمكن التصدي له بالتركيز فقط على الآيديولوجية الجهاددية. هذا التهديد يتطلب التطبيق الحازم للقانون، وفتح نقاش جدي حول قوانين الحصول على السلاح وحمله، وسياسات تقوم بضبط وسائل التواصل الاجتماعي والدور الذي تلعبه في نشر التطرف والعنف». هذا هو الأمر إذن باختصار. الإرهاب في أمريكا هو بالأساس إرهاب أبيض مصدره قوى وجماعات يمينية عنصرية، ولأسباب داخلية بحتة. ومع هذا، العرب والمسلمون هم الذين يدفعون الثمن. هذا يمثل ذروة العنصرية والتحامل والظلم.
مشاركة :