في الصباح المبكر الذي يجتمع فيه البرد والمطر والضباب يمدون لك أيديهم وأنت تمر عبر أجسادهم الملقاة على الأرض، متدثرين بألحفة متسخة وممزقة، إنهم ليسوا لاجئين من سورية والعراق، بل ما يسمونهم في العالم الغربي الهومليسس، ويتجاوز عددهم في بريطانيا وحدها 37 ألف شخص، غالبهم فقد منزله وعائلته بسبب القروض وبسبب المخدرات. لولا أنني غالبا أكون مسرعة نحو قطاري فإنني أفضل إعطاءهم الصرف الذي أجمعه عادة لهم، وفي إحدى المرات التي وضعت في يد أحدهم البنسات صرخ في وجهي رجل قائلا سيشتري بها مخدرات لأجدني أقول له عذرا أنا أصدق جوعه، مضيت ليلحقني الرجل بشتائمه عن تخريبنا لبلاده، أفكر وأنا أمضي بعيدا عنه، ما الإنسانية وما الإرهاب؟ هل الإنسانية الصور المتعمدة لفنانات غربيات يجلسن القرفصاء مع فقراء العالم أو يطعمن المساكين وهن يرتدين نفس الملابس التي صنعها فقراء آخرون وجاءت مأساة انهيار مصنع في بنجلاديش سنة 2013 لتكشف مشهدا بالغ المأسوية صنعته الشركات الغربية متعددة الجنسيات وتملك غالبها ثلاث دول بريطانيا وأميركا وإسبانيا في ثلاثة بلدان نامية الصين وفيتنام وبنجلاديش، حيث تقوم بتشغيل العامل لمدة تتراوح بين 16 و14 ساعة يوميا مقابل أقل من ربع دولار ثم تصدر هذه الملابس لأوروبا وأميركا وتبيعها بالملايين. في تقرير لسكاي نيوز يقول عامل بنجلاديشي هذه الملابس تنسج من دمائنا، إنه ليس فيلسوفا، لكن تجربة العمل تحت رحمة المالك الغربي تجعل مثله ينطق. يقول جعفر جابر في مقال له بالإنجليزية إن سبب انخفاض اهتمام الحكومات في البلاد النامية بالإصلاحات الاجتماعية والإنسانية مرده إلى تحكم الشركات متعددة الجنسيات في الواقع أقوى 100 اقتصاد في العالم ينتمي إلى 51 شركة غربية و49 حكومة وهذا يجعل من هذه الشركات قوة قاهرة تسن ما يخدم مصالحها. يذكر جابر أيضا أن تأثير هذه الشركات على البيئة خطير جدا فهي لا تعير اهتماما لمستقبل هده الدول. في الحقيقة هذا يقودني لكتاب خطير جدا اسمه صناعة الجوع يقول مؤلفاه فرانسيس مور لاييه وجوزيف كولينز إن هذه اللإنسانية التي يتعامل بها الغرب مع الدول النامية إنما هي امتداد لعدم إنسانيته في حقبة الاستعمار، ويذكران مقولة لاقتصادي بريطاني شهير اسمه جون ستيورت ميل يقول فيها لا يجب أن ننظر للمستعمرات كبلدان وحضارات إنما هي مؤسسات زراعية هدفها الوحيد إمداد المجتمع الأكبر الذي ننتمي إليه، ثم يثبتان بالأرقام كيف أجبر الأفارقة على زراعة المنتجات النقدية مثل القطن وهي تستهلك الماء مع مردود ضعيف. ويذكران ما فعلته المبيدات بالناس والتربة في مصر والتي روجت الشركات الأميركية لأهميتها وأوقفت الأبحاث التي تثبت خطورتها ثم يذكران حادثة إحراق آلاف الغابات في الأمازون على يد شركة ألمانية وموت حيوانات وأناس تلك الغابات جوعا وفقرا، ثم يذكران عبارة لأحد الغربيين يذكر فيها أنك تستطيع شراء آلاف الفدادين بزجاجتي مشروب في البلاد النامية ثم تعود إلى باريس ويأتيك دخلها في تصرف لا إنساني مع موارد بلاد فقيرة تحتاج لكل ذرة من مواردها. وفي مقال لبرنكسون ولنقلي يذكران كيف أدت حاجة الجامعات الغربية للمال إلى مغالطات ونتائج مزيفة مثل أضرار التدخين ودفن المخلفات في البلدان النامية وأضرار الأسلحة. من ناحية أخرى، يعاني المسلمون في بريطانيا وأوروبا من التمييز العنصري ضدهم، ولقد نشرت الواشنطن بوست تقريرا عن فرص الشباب المسلم في العثور على الوظيفة وهي تقل عن الشباب المسيحي بنسبة 76 %، بينما تعاني الفتيات المحجبات من بطالة حقيقية، حيث يرفض الكثيرون منحهن عملا لمجرد أنهن يغطين رؤوسهن. إن كل ما سبق يثبت قطعا أن الإرهاب الغربي المسكوت عنه في العالم والذي لا تبحثه مجالس الأمن رغم أن ضحاياه ليسوا مائة أو ألفا، بل ملايين من البشر وعقودا من التخلف، لكن من المؤسف أن حقائق كهذه لا تجد طريقها للنشر في الميديا الغربية لتوعية الإنسان فيها بوجوب وجود موقف إنساني منه ضد الانتهاكات التي تمارس ضد البشرية، لكن يتم صرف انتباهه إلى إرهاب فئة ضالة تربت وعاشت في الغرب ليتم إلحاقها بدين يدين به مليار ونصف المليار شخص حول العالم.
مشاركة :