لا يزال التوتر سيّد الموقف في الجزائر. وبينما سعت السلطة لإثبات جديتها في تنظيم انتقال سياسي يقود البلاد إلى مرحلة جديدة، وبدا أن المعارضة عاجزة عن تقديم اقتراحات معقولة لهذا الانتقال، تتجه الأنظار إلى التظاهرات اليوم لرصد كيفية تفاعل الشارع مع هذه المستجدات. استبقت السلطات الجزائرية احتجاجات مرتقبة اليوم، وسعت إلى طمأنة الشارع والتأكيد على اتخاذ خطوات سريعة لتنفيذ «مبادرة» الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لإنهاء الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد عبر انتقال سياسي إلى «الجمهورية الثانية». وفي هذا الإطار، أكد رئيس الوزراء الجديد نورالدين بدوي أنه سينتهي من تشكيل حكومة كفاءات وطنية بوجوه شابة أوائل الأسبوع المقبل، ويفتح مشاورات لاختيار رئيس لـ «الندوة الوطنية للانتقال السياسي». وعقد بدوي أول مؤتمر صحافي له بحضور نائبه، وزير الخارجية، رمطان لعمامرة، بالعاصمة الجزائرية، أمس، في وقت لم تنجح مبادرة بوتفليقة التي طرحها الاثنين الماضي، وتضمنت إلغاء الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل، وتخليه عن السعي إلى عهدة خامسة، وتشكيل «ندوة وطنية» لتعديل الدستور، في تهدئة الاحتجاجات ضد استمراره في السلطة. وتعهّد رئيس الوزراء الجديد بأن تستجيب الحكومة الجديدة لـ «نداءات الحراك الشعبي، والرسائل المعبّر عنها من ملايين الجزائريين» من أجل بناء دولة القانون. وقال بدوي إن «الندوة»، التي ستخول وضع جدول زمني لتعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية، ستضم كل أطياف المجتمع، وعموم الطبقة السياسية، مشدداً على أن «صوت الشباب سيكون مسموعا في الحكومة والندوة». وأضاف: «أنتم تعملون أن الوضعية العامة للبلاد حساسة»، مردفا «نحن أمام افتراءات وتجاذبات وأقاويل لا تسمح بأخذ المطالب بعين الاعتبار». وأوضح: «يجب التحلي بالرزانة والعمل بهدوء»، مبررا تأجيل الانتخابات الرئاسية الذي اعتبره كثيرون غير قانوني لا بل غير دستوري، بأنها «إرادة الشعب». وأضاف: «لا شيء فوق إرادة الشعب»، مدافعا عن الحوار كسبيل للخروج من الأزمة الحالية. وقال: «هناك طموحات عبّر عنها الشعب الجزائري، أبوابنا مفتوحة للحوار للجميع، وليس لنا أي عقدة». وذكر: «يجب أن نتحلى بالحد الأدنى من الثقة بيننا نحن الجزائريين في المرحلة القصيرة القادمة، وهي قيم التحاور والاستماع الى بعضنا البعض». شغور الرئاسة وردّ بدوي على مسألة شغور منصب الرئاسة بعد يوم 28 أبريل المقبل، حيث أكد أن ذلك مرهون بما تقرره «الندوة الوطنية». وأوضح بدوي: «المرحلة الانتقالية التي أرادها الشعب الجزائري ورئيس الجمهورية هي مرحلة تجعلنا في إطار الندوة الجامعة التي لها كل الصلاحيات بمكوناتها، والتي تعمل في هذه المرحلة الانتقالية على أن تكون قوة اقتراح وقرارات، وسوف تخرج البلاد من الوضعية الحساسة التي تعيشها». وبخصوص التضييق الذي شهدته بعض وسائل الإعلام، شدد بدوي على احترامه لـ «العائلة الإعلامية»، ووعد بمنحها مكانة قوية في إطار مقترحات «الندوة الوطنية». البرلمان و«الندوة» من جهته، قال لعمامرة إن كل المؤسسات الدستورية ستواصل عملها حتى إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، نافيا بذلك أنباء تحدثت عن حل البرلمان الذي تطعن في شرعيته أطراف معارضة. ولفت إلى أن لجنة مستقلة ستشرف على الانتخابات الرئاسية. وأوضح لعمامرة، العائد إلى حكومة بلاده، أن «الندوة، ستقام بقصر الأمم، غربي العاصمة، وستشهد مشاركة أبناء وبنات كل محافظات الوطن». وعن المعايير التي ستعتمد في اختيار ممثلي الحراك، قال وزير الخارجية: «نسعى لمنح ضمانات، وترسيخ جو من الثقة يسمح باستيعاب الندوة لكل الأطياف». وتابع: «الحكومة لن تكون المنظمة للندوة، بل ستلعب دور المسهّل»، مؤكدا أن الحكومة ستتولى المسؤولية خلال «مرحلة قصيرة» تمهّد لانتقال سياسي. وعن طبيعة الإصلاحات التي ستقوم بها الحكومة و»الندوة»، ذكر أنها «دستورية، وأخرى ليست ذات طابع دستوري». وعن رفض المعارضة للجلوس في طاولة الحوار مع السلطة، أوضح لعمامرة أن «التحدّيات التي تمر بها البلاد، أكبر من أن تقوم مجموعة برفضها»، وقال: «نحن في حاجة إلى بذل مزيد من الجهد والمثابرة في إقناع المعارضة بأن البلاد تنادينا لرصّ الصفوف لمساعدة الشعب للمضي قدما نحو مستقبل أفضل». وفي محاولة لإقناع الشارع بالتراجع عن المسيرات المرتقبة لرفض ما وصف بـ «تمديد العهدة الرابعة لبوتفليقة»، خاطب لعمامرة مواطنيه قائلًا: «ينبغي الانتصار للتهدئة، وجبر الخواطر، والتوجه معا نحو أفق مغاير». وفي مقابلة مطولة مع الإذاعة الجزائرية، أمس، قال لعمامرة إنه بالنسبة لبوتفليقة «الأولوية المطلقة تتمثل في جمع الجزائريين وتمكينهم من المضي معا في اتجاه مستقبل أفضل (..)، والأمر لا يتعلق بالبقاء في الحكم لبضعة أسابيع أو بضعة أشهر إضافية». وأكد لعمامرة، وهو دبلوماسي محنك، أن بوتفليقة «كان يفضل تنظيم الانتخابات الرئاسية». وتابع: «وهو إزاء الطلب الملح من قسم مهم من الرأي العام دفعه الى اعتبار (..) ان هذه الانتخابات يجب ألا تتم إذا كانت ستكون سببا في الانقسام والتمزق» بين الجزائريين. تحريك الجبال ونأى رئيس الوزراء ونائبه، عن الخوض في جدول زمني محدد للخطوات، ووضعا الأمر في خانة «الإرادة التي تستطيع تحريك الجبال. الرئيس رسم لنا مخطط عمل، والحكومة لديها واجب الحوار». وأكد مسؤولا الحكومة الجديدة «ضرورة التواصل مع المعارضة وشباب الحراك الشعبي»، مع أولوية ضبط آليات «الندوة الوطنية» فور تشكيل الحكومة. احتجاجات و«انقلاب» وتتكثف الدعوات للتظاهر لنهار جمعة رابع على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا هاشتاغ «حركة 15 مارس»، الذي ينتشر بسرعة، كما حصل في الأسابيع الثلاثة السابقة. وأمس خرجت احتجاجات في عدة مدن ووسط العاصمة، وتواصل إضراب هيئات وشركات عامة احتجاجا على تمديد «العهدة الرابعة» لبوتفليقة. الى ذلك، وصفت جميلة بوحيرد خطة بوتفليقة للإصلاح والانتقال السياسي بأنها «انقلاب». واعتبرت في مقال نشر أمس أن حكومات ما بعد الاستقلال استمرت في الخضوع لما وصفته بالوصاية الفرنسية. وأن دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمبادرة بوتفليقة «عبّر عن تلك الوصاية بجلاء». طعن وأرشيف في هذه الأثناء، طعن 15 مرشحاً للانتخابات الرئاسية، في قرار «المجلس الدستوري»، القاضي بعدم موضوعية إيداع ملفات الترشيح وتحويلها إلى الأرشيف، بعد قرار بوتفليقة الأخير تأجيل الاستحقاق الرئاسي بالبلاد إلى موعد غير محدّد. وبالتوازي، نظّم المترشحون تحرّكا احتجاجيًّا أمام مقر المجلس الدستوري، بالعاصمة.
مشاركة :