بعد نهاية حرب الأفيون التي شنتها بريطانيا منذ سنة 1840 ضد الصين لترويج الأفيون ودفع ثمنه فضة لإمتصاص فائض النقد الصيني التجاري في التجارة مع بريطانيا ودخول القوات الفرنسية والبريطانية المقر الامبراطوري الصيني تم نهب مقتنيات المقر ثم احراقه، وعاد البريطانيون والفرنسيون محملين بالكنوز والنفائس من الصين. فقال الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو قوله الشهير “دخلت العصابتان البريطانية والفرنسية كاتدرائية آسيا، إحداهما قامت بالنهب والأخرى بالحرق، وأحد هذين المنتصرين ملأ جيوبه، والثانى ملأ صناديقه ورجعوا إلى أوروبا يدهم فى يد بعض ضاحكين.. إن الحكومات تتحول أحيانا إلى لصوص ولكن الشعوب لا تفعل ذلك”. لكن ما يحدث حاليا في اسرائيل هو عكس ذلك، لأن أحزابه يمينها المتطرف وغير المتطرف ويسارها تتنافس حول تخدير الشعب الاسرائيلي وتشريع الماريجوانا، بينما كان البريطانيون يزرعون الأفيون في الهند لتصديره في الصين، الا أن الحكومة والأحزاب الاسرائيلية تريد زراعة القنب الهندي، أي الماريجوانا، لتصديرها الى الخارج وتحقيق مليار دولار على الأقل، ثم السماح بتدخينه داخليا لتحقيق أرباح أكبر، مع العلم أن تجار المخدرات اليهود يزرعون كميات كبيرة في الضفة، ويمدون مزارعين فلسطينيين بالمعدات والأشتال. فالاحتلال كمن يحذو حذو الحسن الصباح مؤسس جماعة الحشاشين في نهاية الدولة الفاطمية والعباسية وعصر المغول والحروب الصليبية، فيروى أن الحسن الصباح كان يخدر اتباعه وينقلهم وهم في مرحلة الفتوة مخدرين الى حديقة غناء، حيث الجواري الحسان والينابيع والفاكهة والخمور الجارية، فيظنون أنهم في الجنة، ثم يعيدهم الى قلعته ويربيهم على الطاعة العمياء له، لأن الطاعة ستعيدهم الى الجنة لاحقا. ولهذا فإن رسولا من البابا لحسن الصباح جاء لعقد تحالف بين الفرنجة وجماعته ضد نور الدين زنكي استغرب كيف أن حسن أمر أحد حراس قلعته بإلقاء نفسه من أعلى السور ففعل فورا ومات. فهو كان طوع بنانه حتى الموت. موضوع الساعة في الإنتخابات الاسرائيلية هو تشريع القنب الهندي، أي استقطاب من تسمى اسرائيليا بفئة المسطولين، وهي شريحة واسعة كانت تصوت لليسار ويريد اليمين جذبها، وتوقعت عدة استطلاعات نشرت مؤخرا، أن حزب “زيهوت اليميني المطرف برئاسة عضو الكنيست اليميني السابق موشيه فايغلين، سيحصل على أربعة أو خمسة مقاعد، بينما كانت فرصته معدومة قبل أن يعلن دعمه مشروع السماح بالماريجوانا، وأحدها توقع فوزه بسبعة مقاعد، في الانتخابات العامة للكنيست الشهر المقبل. وهو حزب يميني متطرف يدعو إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، ورغم أن رئيسه الإرهابي فايغلين متدين إلا أنه يؤيد شرعنة المخدرات الخفيفة. ويبدو أن هذا المزيج من الأفكار أوصل حزبه إلى تمثيل مضمون في الكنيست، وعلى هذه الخلفية صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، إنه قد يسعى إلى شرعنة المخدرات الخفيفة من خلال سن قانون، في محاولة لجذب ناخبين محتملين إلى حزب الليكود. فقد تجاهلت الأحزاب الاسرائيلية الموضوع الفلسطيني في برامجها الإنتخابية، واكتفى تكتل الوسط برئاسة الجنرال غانتس بالحديث عن الموضوع بإعتباره قضية أمنية، ولم يذكر كلمة الفلسطينيين أبدا، واكتفى بالإشارة إليهم بـ “الآخر” أو “الآخرين”، بينما تنافست الأحزاب اليمينية في التنكيل اللفظي بهم، سواء من كانوا في الضفة أو في الجزء المحتل سنة 48، حيث يدعو فايغلين الى قتلهم، ويدعو بينت الى ترحيلهم وحرمانهم من حقوقهم، ويدعو نتنياهو الى تكريس احتلالهم وعدم منحهم دولة، فبات التنافس على الحشيش أكثر أهمية، لأن التخدير السياسي انتهى مفعوله، وصار مطلوبا تخدير الاسرائيليين بالحشيش ليكونوا طائعين كجند الحسن الصباح، في تعارض لمقولة هوغو عن أن الحكومات تتحول أحيانا الى لصوص أما الشعوب فلا، لكن في الحالة الإسرائيلية فإن اللصوص في الحكم ويريدون من شعبهم كله أن يتحول الى لصوص ومسطولين.
مشاركة :