حافظ البرغوثي يكتب: مَلهاة الحُكم والتنحي

  • 3/30/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أعلن الرئيس القازاخستاني نور سلطان نزارباييف    تنحيه عن الحكم بعد عشرين سنة من الرئاسة، وقبل ذلك كان سكرتيرا للحزب الشيوعي الحاكم في بلاده قبل انهيار الإتحاد السوفياتين أي أنه كان حاكما من قبل. وكان نزارباييف وصف قراره بالتنحي بأنه لم يكن سهلا، ربما لأنه يريد أن يبقى رئيسا مدى الحياة. فقد قال في خطاب عند إعادة انتخابه قبل سنوات في البرلمان: إنه طلب مرارا من العلماء في بلاده البحث عن طريقة لإطالة العمر حتى يواصل الحكم. وهذا ينم عن شهية قوية للبقاء في الحكم لفترة أطول. فالديكتاتور يحب إطالة عمره لأنه يستمتع بالحكم المطلق. وكنت أظن عندما كتبت رواية عن الديكتاتور في سنة 2009 أنني كنت أتخيل عندما طلب  بطل الرواية أي الديكتاتور العربي الذي سميته “سعيد الأول والواحد والعشرون”  من علماء أجانب حشدهم في بلاده البحث عن طريقة لإطالة العمر حتى يواصل الحكم  وإستنساخ روحه، فقيل له إن استنساخ الجسد استغرق ألف سنة من التقدم العلمي، أما الروح فما زال أمرها غامضا لأن العلم لم يتوصل بعد الى ماهية الروح، هل هي من نور وأشعة أم من مادة أم من شيء غامض لأنها لا ترى؟. وهذا الأمر، أي اكشاف ماهية الروح؟ سيستغرق ربما ألف سنة. وهنا قرر سعيد الأول ان يستنسخوا جسده عشرين مرة من خلايا تؤخذ منه، ويتم استنساخه مرة كل  خمسين سنة، حتى إذا توصل العلم الى استنساخ الروح بعد 20 جيلا استنسخوه وعاد كاملا جسدا وروحا، ويحكم. فحب السلطة هوالذي يجعل بعض الحكام متمسكين بها ولا يريدون التنحي، وهم يفعلون أي شيء لقاء إطالة العمر حاليا، ولعل الرئيس بوتفليقة مثال حي على ذلك فقد حكم لفترتين وانجز للجزائر الكثير وأعاد السلم الأهلي بعد حرب ضد الجماعات المتطرفة من العرب الأفغان  وأدخل إصلاحات اقتصادية كثيرة لكنه تمسك بالحكم  لفترتين أخريين ويريد الخامسة وهو في حالة صحية أكثر من سيئة، فتبخرت إنجازاته ولو تنحى بعد الفترة الثانية عندما أصيب بجلطة  لصار علامة مميزة في التاريخ الجزائري الحديث. ويبحث آخرون من عشاق السلطة والمال عن إطالة العمر، فطبقا لما يقال عن سيلفيو بيرلسكوني الملياردير والسياسي الايطالي فإنه نجح بواسطة أطباء وخبراء يستعين بهم على البقاء  بصحة جيدة ويبدو أصغر من عمره ونبت شعره مجددا بفضلهم وحافظ على نضارة وجهه وصحته فحولته مع النساء  رغم تجاوزه الثمانين طبقا لإعترافات علنية من  نساء شاركنه حفلاته الصاخبة. وهو يعتقد أن بوسعه البقاء حتى عمر 120 سنة. وعودة الى سعيد الأول، فإن ما كنت أظنه خيال كتاب ثبت قطعا أنه واقع، فعند وفاة الرئيس التركمانستاني السابق صابر مراد نيازوف الذي نصب نفسه رئيسا مدى الحياة حتى وفاته، كان يفرض عبادة شخصيته على شعبه  واستعان بالثروة النفطية والغاز لإستمرارية حكمه، وكان يأمر الأدباء والشعراء والفانين والموسيقيين بالتركيز على شخصه في انتاجهم وعلى شعره، بل فرض على شركات النفط ترجمة ديوان شعره الى لغتها الأم وتوزيعه في بلادها قبل توقيع عقد نفطي معها. ولا أعلم حتى الآن  كيف يتعمق حب الحكم والمنصب ولو كان صغيرا  في النفس البشرية في دول العالم الثالث؟. وقد ضربت رئيسة التشيلي مثالا قويا قبل فترة عندما تركت منصبها رغم الحاح الناس عليها بوجوب ترشيحها لفترة جديدة، فقد أدت مهمتها نحو بلادها واستراحت. شاءت الصدفة قبل سنوات أن التقي سفيرا فلسطينيا سابقا في السفارة الفلسطينية في القاهرة، جاء لمعاملة ما  وكان معتل الصحة فسألته عن اعتلاله فقال: ألم تسمع أنني أصبت بجلطة قلبية عندما وصلني  كتاب الإحالة الى التقاعد؟.. وأردف: ثم استعدت نشاطي وعدت الى منصبي  ولكن عادوا وأحالوني التقاعد يا حامد. فقلت: اسمي حافظ  ثم انت اقتربت من السبعين يكفي  تمديدا لك، فأكمل  وكأنه لم يسمع كلامي: وعند احالتي للتقاعد أصبت بجلطة ثانية يا رياض.. فقلت له: حافظ. وتابع يقول: والآن جئت لأجدد جواز سفري فمن سيتابع معاملتي؟ فقال له السفير: إنتظر لحظة.. ونادى على طلال فدخل موظف اسمه طلال، فقال له: هذا طلال سيتابع معاملتك فإن جئت بالمعاملة إذهب الى طلال. فقام الرجل شاكرا وودعني بقوله: فرصة سعيدة اخ جمال.. فقلت: حافظ، ثم التفت الى السفير وشكره وقال: إذا اتابع الأمر مع محمود؟ فقال له السفير: “طلال احفظ الإسم..اسمه طلال” فعاد وودعني وودع السفيرثانية، وعندما وصل الباب  قال سأحضر المعاملة لنضال، فرد السفير: ألا ترى أن الزهايمر نهشك   وتتذمر من التقاعد؟!.

مشاركة :