لقراءة القرآن الكريم فضائل عديدة منها ما تحدث به الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «القرآن والصيام يشفعان للعبد يوم القيامة»، فهذا الحديث البليغ يجعل أصحاب القرآن في مقدمة أهل الخير، خاصة إذا امتازوا بأن يتعلموا القرآن ويعلموه لغيرهم ، وهو أمر في غاية السمو، لأنه يتعلق بكلام الله سبحانه وتعالى الذي هو رسالته الخاتمة إلى البشرية كلها، وعلى المسلم أن يدرك حين تلاوته للقرآن الكريم أنه في حالة مناجاة ودعوة، وعبادة خالصة لله سبحانه وتعالى، الأمر الذي يفرض عليه التحلي بالأخلاق وصفاء النفس والنظافة. والبعد عن الأحقاد والآثام والقراءة بنية العبادة حتى ينال عظيم الثواب من الله سبحانه وتعالى. ومن أعظم ما يتحلى به المسلم أن يتدبر القرآن الكريم حين يتلوه ويفهم معانيه ويجتهد في التخلق بآدابه السامية والالتزام بتعاليمه الفاضلة. ويوضح د. أحمد عمر هاشم في كتابه (فضل القرآن) هذه الحقيقة قائلاً: «للقرآن الكريم شفاعة بين يدى الله عز وجل لقارئه الذي يرفعه الله بقراءته درجات عليا في الجنة ويزيد له في المكانة والكرامة».لقد أجمع علماء الأمة على أن لقارئ القرآن مكانة مميزة مرموقة عند ربه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى هذه المكانة في أكثر من موضع ومن ذلك قوله: «يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ وأرقَ، من أوتي القرآن فظن أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حقّر ما عظمه الله» قنوت ليلة وعَنْ تَمِيمٍ الداريّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «من قرأ بمئة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة».ونلاحظ هنا البناء الشرطي وهو التعبير بأداة الشرط (من) ما يجعلنا مترقبين فعل الشرط وجوابه وفعل الشرط هو (قرأ) وجواب الشرط (كُتب له).ونلاحظ أن قوله صلى الله عليه وسلم (بمئة آية) يعطي لنا تفاوتاً في الخيرية، فهذا العدد القرآني له إيقاع خاص، وهو مستوى من الأداء الإيماني الرفيع، فمن قرأ بأقل من هذا العدد لا يبلغ منزلة القانتين.وقوله: «كُتب» يشير إلى تحقيق الجزاء مباشرة. والكتابة هنا لا توحي بتسجيل الأعمال فقط بل بسرعة عطائه سبحانه.وكلمة «ليلة» ذكرت مرتين وربط ذلك بالقنوت وقد خص الليل بالقنوت لخصوصية استحضار القلب في الليل بما فيه من خشوع وتضرع، و«القنوت» هي من الكلمات القرآنية «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ» (الزمر:9).ومن أعظم ما يتحلى به المؤمن حين يتلو القرآن الخشوع، والوقار، والسكينة امتثالاً وطاعة، لقول الله عز وجل: «لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون». (الحشر: 12). تجارة لن تبور إن القرآن الكريم يبشر قارئيه بأنهم أصحاب تجارة صالحة تدر عليهم الكثير من الفضائل والثواب من الله سبحانه وتعالى الذي يقول في كتابه الكريم:«إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ» (فاطر: 29 - 30 ).وفي هذا السياق أيضا يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِين ».«من قام بعشر آيات».. أي قرأ عشر آيات في صلاته على التدبر والتأني.قال ابن حجر: «أي يقرؤها في ركعتين أو أكثر والواضح أنه من غير الفاتحة، وكذا تحصل بقراءة الفاتحة، وهى سبع آيات وثلاث بعدها فتلك عشرة كاملة لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ أي: لم يثبت اسمه في صحيفة الغافلين».«وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ»، أي: المواظبين على الطاعة والقيام فالقنوت: «هو الطاعة والقيام». قال الطيبي: «أي من الذين قاموا بأمر الله ولزموا طاعته وخضعوا له».إن قراءة القرآن في كل وقت لها مزايا وفضائل، وأعلاها أن تكون في الصلاة ولا سيما في الليل، قَالَ تَعَالَى «إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا»، (المزمل: 6).«وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ»: قال ابن المنذر: «مِنَ الْمُلْكِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ أَلْفُ آيَةٍ. كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِين » أي: «من المكثرين من الأجر مأخوذ من القناطير، وهو المال الكثير. ومن السمات البلاغية في الحديث أن تنوعه الأسلوبي يأخذنا إلى مجال أرحب في سعة رحمة الله تعالى، والتدرج في الجزاء وفق عمل المسلم واضح فيه. ويتضح في (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين) أنه كتب من الذاكرين، ثم (من قام بمائة آية كتب من القانتين أي: الخاشعين لله بقلوبهم وجوارحهم، ثم (ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين). ونلاحظ هنا أنه كلما زاد المرء في العمل، والتلاوة، وقيام الليل، زيد له في الأجر والنعيم. وأيضا أعطى الجانب الصوتي الأدائي الحديث قوة، فالجمل بينها ترابط معنوي (الغافلين، القانتين، المقنطرين).
مشاركة :