تتأرجح حياة المرأة السعودية ومصيرها ذات اليمين وذات اليسار بين بندول ثنائيات شديدة التناقض يحتار المرء في فهمها ناهيك عن مَنْطَقَتِها . وضع الدكتور عبدالله العلمي يده على أحد هذه المتناقضات العجائبية عندما كتب : ( المرأة السعودية ناضجة وجاهزة للزواج في سن العاشرة، لكنها في سن الأربعين قاصر وتحتاج لولي أمر لإدارة شؤونها) . وهنا تبدو الصورة مقلوبة فهي تفترض نضجاً "مبكراً " يستحيل تحقيقه في فتاة العاشرة ؛ وتنسف نضج المرأة الأربعينية الكامل وتستلب منها الأهلية ! وتتوالى الصور .. فبينما تشغل المرأة ٢٠% من المقاعد تحت قبة الشورى وتستعد لدخول الانتخابات البلدية كناخبة ومرشحة ؛ لايزال وليها - الذي قد يكون ابنها - هو من يصدر لها الإذن بالسفر؛ .. ويبدو المشهد ممعناً في الكوميديا السوداء مع كل ما يدور على الساحة من كر وفر في سبيل الحصول على حق مبدئي كحق القيادة ! وهي جوهرة مصونة ودرة مكنونة ؛ ولكنك ستجد كرامة الجواهر والدرر مراقة على أعتاب المحاكم في قضايا العضل والخلع والطلاق التعسفي والحضانة والنفقة التي لا تقيم أود طفل ، وتشتيت الأسر الآمنة على خلفية عدم التكافؤ في النسب . ناهيك عما يحدث للجواهر من المعلمات ؛ اللواتي يقطعن الفيافي والمسافات في سبيل ( لقمة عيش) مغمسة بالخطر ومعجونة بكوابيس حوادث الطرق . بل لم تترك إحدى الجواهر في حالها عندما طلبت الرزق الشريف على قارعة رصيف وقاية لنفسها من ذل السؤال ؛ لتصطدم بقسوة رجل حسبة لم يكتف بتعنيفها ، ولكن تجاوز إلى التبليغ ضدها بحجة ملاسنته والتلفظ عليه !. لعلّ ثنائية التقديس والتأثيم الكامنة في مخبوءات اللاوعي الجمعي تساعدنا على فهم هذه المتناقضات ؛ فالمرأة من جهة الأم المتوجة على عرش القداسة والتبجيل والمحفوف ذكرها بموجبات البر والرحمة . بينما هي في المقابل فتنة تمشي على قدمين ؛ يتهدل الموروث الثقافي بحكاوي شيطنتها ؛ وقصص المكر الصادر من جنسها ( حواء) ؛ بل لاتزال تحمّل وزر إخراج آدم من الجنة رغم تبرئة القرآن الكريم لها ! وهنا يرتبك اللاوعي وتلتبس عليه الأمور فلا يدري أيخاف على المرأة ؛ أم يخشى منها ويتوجس ؟! ما سبق أيضا قد يساعدناعلى فهم علاقة المجتمع المتوترة بالمرأة ، وعلاقتها هي المرتبكة بذاتها مما يجعلها تقف ضد نفسها وتساهم في إعادة إنتاج النسق الثقافي الممانع لحقوقها. لنسير في ركب الحضارة لابد أن تكون المرأة شريكة في التنمية ؛ ولن يتحقق ذلك إلا بالتبيئة الثفافية والفكرية لتمكين المرأة ؛ مما يستدعي اشتغالاً جاداً من الجهات الرسمية على تفكيك مفردات دونية المرأة في الخطاب الثقافي والديني والتعليمي وفي الإجراءات النظامية في الدوائر والجهات الحكومية . amal_zahid@hotmail.com
مشاركة :