لا يمكن أن تتحرك الأوطان وتتقدم إلا في مناخ صحي من النقد البنّاء القادر على تشخيص مواطن الضعف، وتحديد مكامن الخلل، وتقويم المسيرة بشكل دائم ومستمر، كاشفًا الأخطاء وموضحًا الحقائق، في سبيل تحقيق الشفافية المبتغاة، والتي تعتبر أحد أهم ركائز تحقيق النجاح والتقدم. ولأن الوطن يخوض مرحلة دقيقة مفصلية، -ومسيرة التحول الوطني تشحذ قواها لترسم معالم المرحلة القادمة وطرائق سيرها-، فهو في حاجة أكثر من أي وقت مضى، للرؤى النقدية الرصينة، والتي تلج مناطقًا ظلت طويلا مختومة بالشمع الأحمر في صحافتنا. وهنا لابد من رفع سقف حرية التعبير، ليتحوَّل إعلامنا إلى ذراع داعم لهذه الرؤية الطموحة، يرفدها بالنقد البناء المدعوم بالحقائق الشفافة، ويكون بمثابة المرآة الكاشفة القادرة على إيضاح وتعرية أية أخطاء قد تقودنا للفشل أو إعاقة المسيرة لا سمح الله. فتح الباب لصناعة سقف مختلف من حرية التعبير المسؤولة في مشهدنا الصحفي، سيساهم دون شك في بناء جسور الثقة بين المواطن وإعلامه، واستعادة الصحف لأسراب قرائها المهاجرين إلى الإعلام البديل وأروقة مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تُوفِّر لهم منبرًا حرًا دون تدخل من مقص الرقيب. كما أن رفع مستوى حرية التعبير وشفافية الطرح، سيُخرج صحافتنا المحلية من حالة التبلُّد والوفاة الدماغية التي تُهدِّدها منذ أن تعدَّدت روافد المعلومة وتنوعت وسائل الحصول عليها من جهة، واختراق الإعلام الجديد بوسائله المختلفة حواجز الرقابة والرقيب في التعبير عن الرأي من جهة أخرى. كما أن فتح الأبواب لمستويات جديدة ونوعية من الطروحات الجريئة، سيساهم في القضاء على الشائعات في مهدها، لأن الشائعة لا تنمو وتفرد أذرعها إلا في مناخ يحكمه الصمت والتكتم وانعدام الشفافية وغياب النقد. نستطيع أيضًا توفير المبالغ الكبيرة التي تنفق في حجب «عبثي» لبعض الصحف والمواقع الإلكترونية -كون برنامج بسيط في الأجهزة الذكية قادر على فك ما استعصى منها- واستثماره لدعم الصحافة والإعلام المحلي. كما يتحتَّم تمكين منسوبي الصحافة والإعلام من صناعة الخبر وكتابة الرأي المسؤول، وبذلك فقط نستطيع الرد على الإعلام المناويء، فالرأي لا يدحض إلا بالرأي المقنع ومقارعة الحجة بالحجة. وكما تحتاج الصحافة إلى التمكين والحماية لصناعة الخبر، تحتاج إلى تحسين قدرات منسوبيها المهنية ورفع مستوى أدائهم، ليُرافقوا مسيرة التحوُّل خطوة بخطوة عرضًا وطرحًا ونقدًا وتقويمًا.. باقتدارٍ وحرفية. لا مكان اليوم لمقالات الرأي المستنسخ بعضها من بعض في احتفائية إنشائية تفقد الصحف مصداقيتها بقدر ما تحجب الرؤية الواضحة عن المسؤول وصُنَّاع القرار. ولا مكان للمزيدات التي ترفع الوطنية شعارا لها، بينما هي تبخس الوطنية حقها، وتُفرغها من معناها باختزالها في التمجيد والإشادة، أو كيل الشتائم للخصوم وصفّ الألقاب القادحة. وقبل كل هذا وذاك، لا مكان لرأي غير مسؤول يفتئت على مكوِّن من مكوِّنات الوطن، أو يمارس التحريض المبطن مما رأيناه سابقًا في بعض مقالات الصحافة! لا شك أن صحافة شفافة ستدعم رؤية التحول الوطني وتُعزِّز قناعة المواطن وتفاؤله بها وبسيرها في الطريق الصحيح، وكلنا أمل أننا بصدد تغيير نوعي في الطرح الصحفي، فقد شهد الأسبوع الماضي بعض الرؤى النقدية الرصينة، والأرقام والإحصاءات التي نشرتها صحافتنا بشفافية. amal_zahid@hotmail.com
مشاركة :