أدى انهيار أسعار النفط في أواخر العام الماضي، إلى جانب الضغوط من قبل المستثمرين، إلى تباطؤ في صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة. ففي 29 من الشهر الماضي، أصدرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بيانات شهرية جديدة، كشفت عن انخفاض في الإنتاج بنحو 90 ألف برميل يوميا بين شهري كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير)، وهو دليل على أن شركات النفط الصخري خفضت نشاطها في أعقاب انخفاض أسعار النفط في الربع الرابع من العام الماضي. وجاء الانخفاض البالغ 90 ألف برميل يوميا بعد زيادة طفيفة، بلغت 35 ألف برميل في اليوم في الشهر الذي سبق ذلك، وكانت أضعف زيادة في الإنتاج منذ شهور. لكن صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة تواجه تحديات أكثر من مجرد هبوط مؤقت في أسعار النفط. لقد نفد صبر المستثمرين من عمليات الحفر غير المربحة، ويطالبون بعوائد على استثماراتهم، تشدد الخناق على الشركات الأقل قدرة على المنافسة وتفرض تخفيضات في الإنفاق في جميع المجالات. الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للصناعة هو الإدراك المتزايد لمشكلة الأداء الضعيف غير المتوقع للآبار التي تم حفرها بالقرب من البئر الأصلية. هذه العقبات بدأت تتراكم بالفعل. في هذا الجانب، توقعت "شلمبرجير" و"هاليبرتون"، وهما أكبر شركتين لخدمات حقول النفط، أن تجبر شركات النفط الصخري مجتمعة على خفض الإنفاق بأكثر من 10 في المائة هذا العام. قد يضع التباطؤ في نمو الإنتاج بعض الضغوط التصاعدية على أسواق النفط، التي تعاني بالفعل انقطاع الإمدادات من فنزويلا وإيران والتخفيضات المتفق عليها بين "أوبك" وحلفائها. على الرغم من ارتفاع مخزونات النفط في الولايات المتحدة بشكل غير متوقع أخيرا، إلا أن معظم الزيادة يمكن أن تعزى إلى الاضطرابات في قناة هيوستن للسفن بعد حريق كبير في منشأة للبتروكيماويات. في الواقع، يتوقع بعض المحللين انخفاضات كبيرة في المخزونات في الأسابيع القليلة المقبلة، التي شهدنا بعضها في الأسبوع الماضي. في هذا الجانب ذكر بنك باركليز في تقرير له نهاية الشهر الماضي: "ستكون مستويات المخزون أكثر وضوحا في العالم.. ستكون ضحية لمزيج قوي من انقطاع الإمدادات الفنزويلية، وتسرب المواد الكيماوية في قناة هيوستن للسفن، وارتفاع في عمليات التكرير". وتوقع البنك الاستثماري أن يرتفع خام غرب تكساس الوسيط إلى معدل 65 دولارا للبرميل هذا العام. ومما زاد من زخم الدفع التصاعدي في الأسواق، تراجع عدد منصات الحفر بنحو ثماني منصات نفط في نهاية الشهر الماضي، وهو الأسبوع السادس على التوالي من الانخفاضات. ومع ذلك، فإنه ليس مضمونا أن يستمر التباطؤ لفترة طويلة. في هذا الجانب، قالت شركة البيانات Kayrros إن انخفاض إنتاج النفط الصخري سيكون "قصير الأجل"، وهناك بالفعل دلائل على أن نشاط الصناعة قد انتعش في الأشهر القليلة الماضية. هذا الانخفاض، الذي يتبع السلوك الموسمي السابق، يتبعه انخفاض في عمليات إكمال الآبار، حسب تقرير شركة البيانات. لكن التقرير نفسه أظهر أن عمليات الإكمال قد عادت وارتفعت من جديد في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير)، ما أدى إلى انتعاش في الإنتاج. في الواقع، يشير تقرير شركة البيانات Kayrros إلى أن إنتاج حوض البيرميان قد يتجاوز مرة أخرى التوقعات هذا العام. ومع ذلك، فإن توقف نمو إنتاج النفط الصخري يغذي ارتفاع الأسعار. في هذا الجانب توقع بعض المحللين أن تنتقل أسعار «برنت» إلى نطاق يتراوح بين 70 و80 دولارا للبرميل. في الوقت نفسه، هناك كثير من علامات التشديد في الأسواق. في هذا الصدد، أظهر مسح أجرته "رويترز" أن إنتاج "أوبك" انخفض إلى أدنى مستوياته في أربع سنوات في آذار (مارس)، حيث خفضت السعودية إنتاجها بصورة كبيرة، وسجلت فنزويلا خسائر أكبر في الإمدادات. في الشهر الماضي، أنتجت "أوبك" 30.40 مليون برميل يوميا، بانخفاض قدره 280 ألف برميل يوميا عن الشهر السابق. يذكر أن فنزويلا شهدت تراجعا بنحو 150 ألف برميل في اليوم، وهذه الخسارة لن تستطيع تعويضها بسهولة. الأهم من ذلك هو أن المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي قد خفت في الآونة الأخيرة. حيث أظهرت بيانات جديدة من الصين أكبر زيادة شهرية في مؤشر مديري المشتريات الصناعية منذ عام 2012. قللت هذه البيانات المخاوف بشأن تباطؤ الصين الوشيك. علاوة على ذلك، هناك أمل في أن تؤدي المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى انفراج وإلغاء التعريفات، الأمر الذي من شأنه أن يزيل واحدة من أكبر المخاطر السلبية على أسواق النفط. في ساعة كتابة هذا المقال، وصلت أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى 62 دولارا للبرميل، وارتفع «برنت» إلى أكثر من 69 دولارا للبرميل. هذا يمثل تقريبا ارتفاعا بنسبة 27 في المائة خلال الربع الأول. بالفعل تمتع خام برنت بأقوى بداية له منذ عام 2005 في الربع الأول. على الرغم من ذلك حذر عدد من المحللين من أن الاتجاه الصعودي للأسعار محدود إلى حد ما، إلا أن منحنى عقود «برنت» الآجلة يأخذ سمة تصاعدية أيضا. حيث إن تخفيضات "أوبك" تسهم في تشدد المعروض في الأسواق العالمية. ونتيجة لذلك، فإن منحنى عقود «برنت» الآجلة الآن في حالة التراجع Backwardation، بمعنى أن أسعار الشهر الفوري هي أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة.
مشاركة :