حقًا.. الكتاب تعايش | زيد علي الفضيل

  • 3/12/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تعيش الرياض خلال هذه الأيام أجواء كرنفالية يستمتع فيها كل عشاق الكتاب، المتيّمون بالحرف، الذائبون في جمال الكلمة، وعليل الأفكار المتنوعة، التي تعكس دلالات ومآلات شعار المعرض لهذا العام، وهو "الكتاب تعايش"، فالشكر للجنة الثقافية التي وُفّقت في اختيار هذا العنوان، لاسيما وأن أحوج ما نريد أن نُكرِّسه اليوم ضمن مفاهيمنا الحياتية هو مفهوم القبول بالآخر، والتعايش مع مجمل أفكاره، دون النظر إلى مدى موافقتنا لها أو لا. في تصوري أن اللجنة الثقافية قد وُفّقت في اختيارها لهذا العنوان، لاسيما وأننا نعيش اليوم بوادر عنف فكري من قبل فئات إرهابية تدّعي زورًا وبهتانًا تمثيلها للإسلام، ذلك الدين الخاتم الذي بشر به خاتم الأنبياء والمرسلين، المنزل رحمة للعالمين، وأُشدِّد على مفهوم الرحمة الذي هو آخر ما يعرفه أولئك المتطرفون في سلوكياتهم المنحرفة، العاكسة نمطًا شيطانيًا، وإلا فما هو التبرير الإنساني قبل الديني لذبح الناس وحرقهم بالصورة المتوحشة التي يقومون بها. والسؤال ذاته ينطبق حول تصرفاتهم العبثية وتدميرهم غير المسؤول لذاكرة الشعوب بحجج دينية واهية، لا تمتُّ بصلة إلى أي مفهوم نبوي أو راشدي أو غيره، إذ لم يعمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أحد من أصحابه إلى تدمير أي مشهد تراثي حضاري يعود إلى حقب تاريخية سالفة، كمدائن صالح، ومدينة النبي شعيب، علاوة على مختلف الآثار في بلاد فارس ووادي الرافدين والشام ومصر النيل. حقًّا ما أحوجنا أمام هذه الممارسات إلى تكثيف مفاهيم التعايش على مختلف الأصعدة الفكرية والحضارية وحتى الدينية، وأشير هنا متسائلاً بالقول: أليس ربنا هو القائل في محكم كتابه في سورة الكافرون بعد إقراره للتغاير الديني بين النبي عليه الصلاة والسلام وكفار قريش، "لكم دينكم ولي دين"؟ وبالتالي أليس ذلك إقرار رباني بالتعايش المطلق، فكيف بأهل الكتاب الذين جاء كتابنا الكريم ليُؤكِّد على دلالة أقرب من التعايش معهم وهو مفهوم التقارب، بقوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ). إنه التقارب والتعايش الذي شدّد الله عليه في كثير من آياته، ومنها قوله جل جلاله: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إلَيْنَا وَأُنزِلَ إلَيْكُمْ وَإلَهُنَا وَإلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). ذلك مع كفار قريش، وهو أقرب مع أهل الكتاب، فكيف مع أهل الملّة الواحدة، حقًّا الكتاب تعايش. zash113@gmail.com

مشاركة :