من «مشكلات الأدب» للمفكر والأديب عبدالله عبدالجبار

  • 4/13/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تحتل هذه المشكلة التي تتبلور في هذا السؤال: "لمن يكتب الأديب؟ للخاصة أم للعامة؟" مكاناً خصباً في عقول الأدباء والنقاد، ومناقشاتهم ومساجلاتهم وتتفرع عنها مشاكل أخرى مثل مشكلة الحرية في الفن، والجمالية في التعبير وغير ذلك مما نحاول أن نلقي عليه ضوءا كاشفاً في هذه النظرة، الواقع أن الأديب لا يكتب للعامة ولا يكتب للخاصة، وإنما يكتب أولاً وقبل كل شيء لأولئك الذين يتجاوب معهم في الإحساس والشعور، وبقدر ما يكون تشبع هؤلاء بالروح الفنية ونزوعهم للميول الأدبية يكون حرص الأديب على أن يقرأوا أدبه ويستوعبوا فنه ويتصلوا بنتاجه. وإذا كان الأديب واقعياً هادفاً فإنه يسره أن يقرأ أدبه الطبقات الكادحة والطبقات المتوسطة والعمال والزراع وصغار الموظفين، لأنه حينئذ سيجد نفسه تنداح في نفوسهم وأفكاره وعواطفه تتغلغل في أفكارهم وعواطفهم، وكلما اتسمت هذه الفئات بسمة الأدب والفهم ازداد حرص الأديب الهادف على مخاطبتها وتجلية شعورها. ولا شيء يذكي قريحة الأديب كالشعور بالتجاوب الصادق بينه وبين من يكتب لهم ويصور حياتهم، أفراحهم وأحزانهم، ملاهيهم ومآسيهم، ولا شيء يضايق الأديب مثل إحساسه بغباء الكثرة الكاثرة من الدهماء، أولئك الذين لا يفهمون كلامه أولا يفهمونه على وجهه، أولئك الذين لا يترجمون الإشارة والرمز - وقد اضطر إليهما - إلى تعبير واضح صريح يهز كيانهم ويؤثر في أعماقهم أبلغ تأثير. وإذا كان الأديب غزلياً مترفاً، فإن شعوره بالغبطة والابتهاج لا يتم إلا إذا قرأ شعره وقصصه أولئك الأغنياء المنعمون من ذوي الذوق الفني المترف الذين يتفقون معه في المنزع والمشرب والإحساس بحياة الصالونات وحياة اللهو والمجون.

مشاركة :