حسمت السلطة الانتقالية في السودان (الجيش)، اليوم الجمعة، الجدل الدائر بشأن تسليم الرئيس المعزول عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، لاتهامه بارتكاب «جرائم إبادة جماعية» ضد المدنيين. مؤكدة أنّ هذه مهمة الحكومة القادمة، نافية سعيها لحكم البلاد. وبينما تبرّأت جماعة «الإخوان المسلمين» المصنّفة إرهابيًّا، من البشير، أكدت رفضها لبيان وزير الدفاع عوض بن عوف، الذي أعلن فيه عزل البشير واعتقاله وإعلان حالة الطوارئ، بينما يُنتظر أن يعقد مجلس الأمن اجتماعًا طارئًا مغلقًا خلال الساعات المقبلة؛ لبحث الوضع في السودان بناءً على طلب الولايات المتحدة وخمس دول أوروبية. ورأى مراقبون أن تحركات جماعة الإخوان المسلمين، خلال الساعات الأخيرة تؤكد مساعيها للانقضاض على السلطة، أو على الأقل عقد صفقة مع المجلس العسكري (الحاكم الانتقالي) يمكن من خلالها تحقيق أكبر مكاسب ممكنة، كما حدث من قبل في إحدى دول الجوار. من ناحيته، أكد مندوب السودان في مجلس الأمن، ياسر عبدالسلام، أن قرارات المجلس العسكري الانتقالي، الذي عزل البشير أمس الخميس، جاءت استجابة لمطالب الشعب السوداني. مشددًا على أن هذا المجلس «سيكون راعيًا للحكومة المدنية، ولن يحكم البلاد»، قائلًا: «إن ما يحدث في بلادنا شأن داخلي خالص». ودعا عبدالسلام، المجتمع الدولي لدعم عملية الانتقال السياسي في بلاده، مشددًا على أن المجلس العسكري الانتقالي لن يحكم، بل سيكون ببساطة الضامن لحكومة مدنية سيتم تشكيلها بالتعاون مع القوى السياسية والأطراف المعنية. مشيرًا إلى إمكانية «إلغاء تعليق الدستور في أي وقت، كما يمكن تقليص الفترة الانتقالية حسب التطورات على الأرض واتفاق الأطراف المعنيين». وتابع: إن المجلس العسكري تعهد بالتعاون الكامل مع المجتمع الدولي؛ لضمان الاستقرار والسلام والانتقال السلمي في السودان وفقًا لإرثنا السياسي في مجال التحول السلمي بعد الثورتين المجيدتين في أكتوبر 1964. وفي إبريل 1985. وفي ما وُصف بأنه محاولة من جانبها للانقضاض على الثورة، سعيًا للوصول إلى الحكم عبر بوابة الصفقات، أعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» في السودان، التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع، عمر البشير، رفضها لبيان وزير الدفاع عوض بن عوف الخميس، الذي أعلن فيه عزل البشير واعتقاله وإعلان حالة الطوارئ. وفي بيان نشره المراقب العامّ للجماعة، عوض الله حسن سيد أحمد، ندّدت الجماعة ببيان المجلس العسكري، الذي أعلن فيه إقالة البشير، واصفة إياه بـ«سياسات النظام الفاشلة»، قائلة: «طالعنا اليوم نائب الرئيس، ووزير الدفاع ببيان فيه التفاف واضح على المطالب الحقيقية لجماهير الشعب السوداني». وفي خطوة وصفها مراقبون بأنها خداع لحشود المتظاهرين الذي نجحوا في اقتلاع نظام ظل قابعًا على سدة الحكم لنحو 30 عامًا، قالت الجماعة: «إن إعلان خلع رأس النظام خطوة كبيرة في طريق الإصلاح والتغيير»، ولكنها أوضحت أنها ضد القيادات العسكرية التي قامت بالتخلص منه. في سياق متصل، اعتذر قائد قوات «الدعم السريع» في الجيش السوداني، محمد حمدان دلقو حميدتي، عن المشاركة في المجلس العسكري» الذي يدير البلاد خلال المرحلة الانتقالية، معلنًا انحياز قوات لمطالب الجماهير. وعبر صفحة قوات «الدعم السريع» على «فيس بوك»، قال حميدتي: «البلاد تمرّ بمرحلة دقيقة تاريخية وصعبة، تحتاج منا لعمل مشترك تحت مظلة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى كجهة قومية، وإن قوات الدعم السريع سوف تظل منحازة لخيارات الشعب السوداني بكل أطيافه». وأضاف: «أود أن أعلن لعامة الشعب السوداني بأني كقائد لقوات الدعم السريع قد اعتذرت عن المشاركة في المجلس العسكري منذ يوم 2019/4/11، وسوف نظل جزءًا من القوات المسلحة، ونعمل لوحدة البلاد واحترام حقوق الإنسان وحماية الشعب السوداني». وفي شأن المطاردات القضائية الدولية للرئيس المعزول، قال رئيس اللجنة السياسية في المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول عمر زين العابدين، اليوم الجمعة، إنّ المجلس لن يسلم الرئيس المخلوع عمر البشير للمحكمة الجنائية الدولية التي تتهمه بارتكاب جرائم حرب، مؤكدًا أنّ هذه مهمة الحكومة القادمة. وأضاف -خلال مؤتمر صحفي- أنّ البشير تمّ التحفظ عليه في مكان آمن، موضحًا أنّ الإطاحة به لا تمثّل انقلابًا على السلطة، لكنّها استجابة لمطالب الشعب الذي احتجّ على حكمه الممتدّ منذ يونيو 1989، مؤكدًا أن الرئيس عمر البشير المعزول سيحاكَم في الداخل. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد عقّبت على إطاحة الجيش بالبشير، بالمطالبة بتسليمه على الفور لاتهامه بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور عام 1994. وقال المتحدث باسم المحكمة فادي العبدالله، في بيان، إنّ المحكمة ستبلغ مجلس الأمن الدولي بأي دولة تستضيف البشير، إذا كانت من أعضاء المحكمة، متابعًا: «توجد دول معينة لديها التزامات بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وهي الدول الأعضاء في المحكمة، وإذا لم تتعاون مع المحكمة، فسنضطر لإبلاغ مجلس الأمن بحدوث انتهاكات من جانبها لما تعهدت به». ويواجه البشير خمسة اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتهمتين بارتكاب جرائم حرب في ما يتعلق بالعمليات العسكرية، التي نفّذتها القوات المسلحة السودانية في منطقة دارفور بين عامي 2003 و2008، وتقول الأمم المتحدة إن هذه الحرب تسببت في مقتل 300 ألف شخص، ونزوح مليونين ونصف المليون شخص. وفي مارس 2009، أصدرت المحكمة أمرًا باعتقال البشير بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور.
مشاركة :