اقتصاد السودان.. القشة التي قصمت ظهر البشير

  • 4/18/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كان الاقتصاد هو القشة التي قصمت ظهر الرئيس السوداني، #عمر_البشير، فتردي الأوضاع المعيشة في السودان خلال الفترة الماضية كان أيضاً هو الشرارة التي أطلقت الاحتجاجات الواسعة والتظاهرات في البلاد. ومع أزمات #الخبز والسيولة والنقود على مدار الـ 12 شهرا الماضية، فقد كان هذا الثالوث (الخبز، السيولة والوقود) حاضرا في قلب معاناة السودانيين، التي تحولت إلى كابوس أقلق مضاجع الناس، حيث يقضون ساعات طويلة في طوابير لا تنتهي للحصول على الخبز وأيضا لقليل من النقود وكذلك طوابير طويلة أمام محطات الوقود، وهذه كانت أعلى تجليات #الأزمة_الاقتصادية الطاحنة التي مر بها السودان ولا يزال. ويسرد عبدالعظيم الأموي، رئيس قسم الأبحاث في شركة "أسواق المال دوت كوم" AswagalMal.com في مذكرة بحثية خص بها "العربية.نت" محطات تاريخية مفصلية مر بها الاقتصاد السوداني: حقبة ما بعد الاستقلال في 1956 قدم حماد توفيق أول موازنة للسودان بعد الاستقلال كانت تعتمد على القطن كمورد رئيسي وحققت فائضا بلغ حينها (1.8) مليون جنيه سوداني، تركيبة الاقتصاد هي تركيبة زراعية، عاش أغلب سكان السودان حول المشروعات الزراعية وأحزمة الغابات لذلك استمر النشاط الزراعي والرعوي نتيجة لتوفر الموارد، هذا الذي جعل أول موازنة في تاريخ السودان بعد الاستقلال تعتمد بشكل أساسي علي القطن (ذهب السودان الأبيض). أولى النكبات التي تعرض لها #السودان كانت الإجراءات #الشعبوية التي اتخذها الرئيس جعفر نميري بعد عام على انقلابه في 25 مايو 1970 أعلن نميري حينها قرارا بتأميم الشركات والبنوك الأجنبية من بينها بنك باركليز بفروعه الـ 24 وآلت ملكية الشركات الأجنبية للحكومة ووضع الجيش يده عليها، هذه القرارات والإجراءات أعاقت حركة الاقتصاد، استمرار #الحرب في السودان كان له تأثير مباشر وضاغط على الاقتصاد، إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي حيث شهد السودان ثلاث حكومات مدنية ديمقراطية قصيرة مقابل ثلاث حكومات عسكرية طويلة خلال الـ60 عاما الماضية 6 حكومات، والآن الحكومة السابعة، هذه الحالة من عدم #الاستقرار_السياسي عرضت البلاد لصدمات. انقلاب البشير على السلطة يونيو 1989 نفذت الحركة الإسلامية السودانية (الإخوان المسلمون) هذا الانقلاب الذي بدأ بخديعة كبرى عندما أنكر الرئيس البشير انتماءه السياسي ، وكشف خيوط هذه المؤامرة لاحقا الدكتور حسن الترابي (اذهب للقصر رئيسا وأنا أذهب للسجن حبيسا) التوجه المتطرف للحكومة الانقلابية جعلها ترفع شعارات عدائية في أيامها الأولي مثل (أميركا روسيا قد دنا عذابهما) وجمع كل الإسلاميين المتطرفين في السودان، وانتهي هذا التوجه بوضع أميركا اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب في 1993، وفرضت عقوبات اقتصادية على السودان من قبل الولايات المتحدة في الأميركية في 1997، عاش السودان في عزلة وتفاقمت أوضاعة الاقتصادية بسبب سياسات وتوجهات خاطئة كانت تداعياتها كارثية، قدر التأثير لهذه العقوبات على الاقتصاد السوداني بحوالي 50 مليار دولار، حيث ارتفعت تكلفة التبادل التجاري وقلت الفرص الاستثمارية، وارتفعت تكلفة الاقتراض وحرم السودان من الاستفادة من المساعدات والمنح وأيضا حرمته من الاستفادة من نقل التكنولوجيا، هذه العزلة للسودان ترافقت مع نشوء اقتصاد موازٍ تتدفق عبره تحويلات المغتربين وتتدفق عبره الواردات ولا تستطيع وزارة المالية بسط ولايتها وسلطتها، عليه هذا التشوه لا يزال مستمرا. داخليا حكومة البشير بدأت باعتماد سياسة تحرير الاقتصاد، وتمت خصخصة وبيع لمؤسسات القطاع العام وهذه العملية نتج عنها تشريد آلاف العمال والموظفين، وتمت هذه العملية في غياب تام للشفافية، وفتح الباب أمام الفساد وتم بيع مؤسسات ناجحة تحولت ملكيتها من الدولة للقطاع الخاص، والمهم أن نذكر أن هذا التحول كان يحتاج إلى قطاع خاص قوي وفاعل والحقيقة أن القطاع الخاص لم يكن بالقوة التي تمكنه من إحداث نقلة في هذه المؤسسات، إضافة إلى ذلك التخريب والتدمير الذي تسببت فيه هذه السياسة للمشاريع الزراعية وتسببت في تدني الخدمات في هذه المشاريع وتراجعت الإنتاجية فكانت سياسة فاشلة وخطوة أخرى فاقمت من الأوضاع الاقتصادية. استخراج البترول وتبديد الموارد توفرت فرصة لنظام البشير في إعادة هيكلة الاقتصاد السوداني عندما توفرت موارد هائلة لنظامه عبر عوائد البترول (2000-2010) خلال هذه الفترة قدرت العوائد التي تحصلت عليها الحكومة بحوالي 70 مليار دولار كان متوقعا أن تهتم السياسات الحكومية بإعادة الروح القطاعين الزراعي والحيواني، وهذا لم يحدث استمرت هذه القطاعات بالتدهور، وتحولت موازنة الدولة الاعتماد على البترول كمورد رئيسي الموازنة، حتى المشروعات التي تم تنفيذها خلال هذه الفترة كان يتم تمويلها بالقروض، عليه أضاعت حكومة البشير فرصة كبيرة في أحداث نهضة اقتصادية شاملة في البلاد واهتمت بالصرف على الأجهزة الأمنية وعلى منطماته الفئوية والجماهيرية بغرض الحفاظ على السلطة وفي سبيل ذلك طبق النظام سياسة التمكين بحيث استغل أفراده موارد الدولة وصنعوا نفوذ في السوق وكل ذلك علي حساب التنمية والنهضة وهو ما تسبب في تبديد العائد من البترول، وعندما حدث انفصال الجنوب في 2011 كانت الصدمة وبدأ مسلسل انهيار الاقتصاد. وأقر النظام برنامج اقتصادي ثلاثي 2012-2014، وقد فشل هذا البرنامج بسبب إصرار النظام على الصرف على الدفاع وعلى جهاز الدولة المترهل والصرف الدستوري والسيادي، وبعدها أعلن النظام عن برنامج اقتصادي خماسي 2015-2019 وحددت أهدافه وهي زيادة الناتج المحلي الإجمالي ب 7% والمحافظة على سعر الصرف وألا يتجاوز المعروض النقدي 8٪ ويستهدف البرنامج خفض معدل التضخم إلى ما دون ال10٪ ، وأجاز مجلس الوزراء في 2015 البرنامج الخماسي للاستقرار الاقتصادي، وفشل هذا البرنامج فشلا ذريعا تفاقمت الأوضاع أكثر، في نوفمبر 2016 رفعت الحكومة الدعم عن الدواء، استمر تراجع سعر الصرف وارتفاع معدلات التضخم، قدمت الحكومة موازنة كارثية في 2018 وسقططت في أول ست أشهر، (نفس المدرسة الاقتصادية تتحرك من فشل لآخر ويستمر التجريب والتخريب) في ديسمبر 2017 رفعت وزارة المالية الدولار الجمركي من 6.9 إلى 18 جنيه (160٪) وبدأت موجة انهيار في سعر الصرف بعد هذا القرار وتصاعدت معدلات التضخم ، في الفصل الأول من 2018 بدأت أزمة حاجة ثلاثية في الخبز والسيولة والوقود، تعطلت حياة السودانيين في البحث عن الضروريات وخرج الشارع غاضبا في ديسمبر 2018 وفي 11 أبريل 2019 سقط البشير وبدأ عهد جديد أمامه التحدي الاقتصادي لا يزال قائما. الفساد السوس الذي نخر في عظم الاقتصاد يوصف نظام البشير بأنه من أفسد الأنظمة التي مرت على السودان بشهادات عراب النظام (حسن الترابي) فالوضع الشائك الذي عليه الاقتصاد وتركيبة مؤسساته خلق طبقة طفيلية تتغذى على الموارد استغلت حالة العزلة التي يعيشها #السودان وقامت ببناء اقتصاد موازٍ بالكامل، وفي تصريحات سابقة ذكر أحد جنرالات #الأمن_الاقتصادي أن وزارة #المالية_السودانية تضع يدها على 30% فقط من المال (مال الدولة)، وطالب وزير التجارة الأسبق بتصفية 400 شركة حكومية وإخراجها من السوق حيث إن مواردها لا تصب في وزارة المالية ولا تخضع للمراجعة العامة للدولة، فالذي حدث أن النظام أخرج الرأسمالية الوطنية من السوق وأدخل شركاته ومؤسساته التي تتمتع بالامتيازات، وعجز نظام البشير في مكافحة الفساد، أنشأت مفوضية للفساد في العام 2011 ولكنها فشلت في تقديم أي مسؤول كبير بتهمة الفساد، بل امتنع المسؤلون والوزراء من تعبئة إقرار الذمة المالية، وهذا يفسر بأن النظام لم يكن جادا بشأن مكافحة الفساد، ولكنه أنشأ هذه المفوضية لتفادي الضغط الذي كانت تعيشه دول المنطقة في حقبة ما كانت تعرف بـ (الربيع العربي). مستقبل نهضة الاقتصاد السوداني بعد سقوط نظام البشير وتركه البلاد مثقلة بالأزمات الحاجة عاجلة لبرامج اسعافية تعيد التوازن للاقتصاد، وهنالك مطلوبات عاجلة داخلية وخارجية ترتبط بها عملية التوازن، لابد من السعي لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حتي يعود التواصل مع المؤسسات الدولية ومع النظام المصرفي الإقليمي والدولي وهذا التواصل سيجعل من إمكانية استفادة السودان من تحويلات العاملين بالخارج أمرا ممكنا، إضافة إلى مطلوبات داخلية عاجلة تتعلق بمسألة الحرب والسلام وضرورة إتمام #عملية_السلام مع حاملي السلاح وهذا يخفض الصرف على الدفاع في موازنة الدولة، وهذا عامل داخلي مرتبط بالتغيير والإصلاح وهو اجتثاث الفساد وإصلاح جهاز الدولة الإداري وأيضا تعزيز الإنتاج وإزالة القيود المفروضة على المنتجين. وهنالك قطاعات حيوية الاهتمام بها سيظهر سريعا علي الاقتصاد، مثلا قطاع التعدين بشقيه التقليدي وحق الامتياز، في هذا الشأن إنشاء بورصة للمعادن ووحدات التصفية في مناطق الإنتاج، وأيضا من الضروري تأسيس قاعدة بيانات حديثة لهذا القطاع. وهناك قطاع آخر تنظيمه سيسهم بسرعة في نهضة الاقتصاد، هو قطاع الثروة الحيوانية بتعزيز البنيات التحتية المرتبطة بالتصنيع وإنشاء التعاونيات الإنتاجية، أيضا هنالك فرص في قطاع الخدمات وريادة الأعمال كلها قطاعات وآخرة بالفرص للشباب السوداني.

مشاركة :