الكل، وفي المقدم دول العالم الكبرى، ذي الأجهزة الاستخباراتية المنيعة، يعلم علم اليقين، أن الحرس الثوري الإيراني (سپاه پاسداران انقلاب إسلامي)، دولة داخل دولة، وأنه يد النظام الإيراني، وذراعه ودماغه وأداته في زعزعة الأمن والاستقرار، وتصدير خرافات ما يسمى بالثورة الإسلامية الخمينية، ليس في منطقة الخليج والشرق الأوسط الحيوية فحسب، وإنما في العالم الأوسع بأسره، ابتداء من إندونيسيا وتيمور الشرقية شرقاً، وانتهاء بفنزويلا والأرجنتين غرباً. فهذا الحرس الدموي الوحشي، له أجهزته الإعلامية، وميزانيته المستقلة، وطيرانه وبحريته وقواته البرية (جماعة أنصار المهدي)، وألويته شبه العسكرية من المتطوعين (الباسيج)، وشبكاته التجارية، ومشاريعه المربحة، وحصته من مداخيل النفط والغاز والبتروكيماويات، ومخابراته المتنفذة، وعقيدته الخاصة، وجنرالاته غير المؤتمرين بأوامر وزراء الحكومة، وبالتالي، فهو يصول ويجول في العالم مدمراً وقافزاً فوق كل المواثيق والنواميس والأعراف الدولية، وباثاً سمومه في كل بقاع الأرض، وراسماً ومنفذاً فعلياً لسياسة إيران الخارجية، بدلاً من وزير الخارجية «غير الظريف»، صاحب الابتسامات الصفراء. وبعبارة أخرى، فإن «الحرس الثوري الإيراني» لاعب رئيس، يتحكم في مفاصل الاقتصاد الإيراني، ويلعب دور العمود الفقري للنظام السياسي، لا سيما لجهة ترويج أيديولوجياته السقيمة، وتنفيذ أجنداته الخارجية الإرهابية. لقد أدركت واشنطن ترامب، كل هذا، فكان القرار الأمريكي الأخير، في الثامن من أبريل الجاري، بتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، ليدخل هذا القرار التاريخ، بوصفه أول قرار تتخذه دولة من دول العالم، بوضع منظمة رسمية تابعة لدولة أخرى، ضمن قوائم الإرهاب العالمي. المؤسف هنا، هو أن ما استوعبته واشنطن، وإن جاء متأخراً، لم تستوعبه حتى الآن دول العالم الكبرى الأخرى، على الرغم من آلاف الأدلة المتراكمة التي تدين هذا الحرس، بالإجرام والقتل والسطو وتدريب المليشيات الشيعية الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وشرق المملكة العربية السعودية، بل وأيضاً في الداخل الإيراني نفسه، حيث هو عصا النظام ضد الجماهير المتذمرة من سطوة الملالي وغيهم وطغيانهم وفسادهم المزكم للأنوف والحلوق، وهو أداته للتعبئة والتجسس، وتزوير الانتخابات، والتصدي لمحاولات الإضراب والاحتجاج، وفي نفس الوقت، هو قناته السرية لتهريب المخدرات والأسلحة والنفط، وتبييض الأموال، وغيرها من الأعمال القذرة. لقد وضع القرار الأمريكي الصائب، العالم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الالتزام الأمين بمضامينه المتمثلة في ضرورة قطع الروابط مع رموز هذا الحرس ومشاريعه، والامتناع عن التعاطي معه في أي مجال من المجالات، والاستغناء عن مساعداته وخدماته، والامتناع عن إيواء وحماية منتسبيه، وإما تحمل تبعات الرفض. وهي تبعات يفترض أن تفتح على الرافض جحيم القوة العالمية العظمى. فهل يا ترى يتمكن أنصار نظام الملالي، كحزب الله الإرهابي اللبناني، وعصابة الأشتر المجرمة في البحرين، والحوثيين في اليمن، والمليشيات الشيعية في العراق، وأشباهها في سوريا، من زينبيين وفاطميين، أفغان وباكستانيين، علاوة على العراق، حيث يسرح ويمرح قائد فيلق القدس قاسم سليماني، والأنظمة المشاغبة المرتبطة بالإيرانيين، مثل نظام الحمدين في الدوحة، ونظام رجب طيب أردوغان في أنقرة، مقاومة القرار الأمريكي وعقوباته؟ نعلم أن البرلمان الإيراني رد على واشنطن، بمجرد قيام الأخيرة بتنفيذ قرارها في الخامس عشر من أبريل الجاري، بقانون من 15 مادة يضع «القيادة المركزية الأمريكية» (سنتكوم)، وشركاءها على قائمة الإرهاب، وذلك من باب إظهار العنتريات التي ما قتلت يوماً ذبابة. ونعلم أيضاً أن الدوحة وأنقرة، توافقتا على رفض القرار الأمريكي ومقاومته. أما ردنا، فهو بيت الشعر المعروف: زعم الفرزدقُ أن سيقتُل مَرْبعاً أبشِر بطُول سلامة يا مَرْبعُ السؤال الذي يطرح نفسه الآن، بحسب ما كتبه زميلنا مصطفى فحص في «الشرق الأوسط» (10/4/201)، هو هل سيؤدي القرار الأمريكي إلى انحسار النفوذ الإيراني في الخارج، ويمهد لسقوط الملالي في الداخل، كما حدث لنظام البعث في العراق قبل 18 عاماً؟ أم أنّ القوى المناوئة للولايات المتحدة، ستلقي للحرس الثوري طوق النجاة بطريقة من الطرق الملتوية المعروفة، لتطول معاناة العالم من جرائم إيران وحرسها الثوري؟. الأمر يتوقف اليوم على الروس والصينيين والأوروبيين، الذين يرددون أنهم اكتووا بنيران الإرهاب، وأنهم ضده، لكنهم حتى الساعة يستثنون إرهاب إيران وحرسه الثوري الذي لا يحتاج إلى دليل، مستنسخين بذلك ما فعله الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، من أجل مصالح وقتية ضيقة. وإذا شئنا التحديد أكثر، فإن نجاح القرار الأمريكي يعتمد كثيراً على مواقف دول أوروبا الكبرى، ومنها فرنسا، التي سارع رئيسها إيمانويل ماكرون، بالاتصال بنظيره الإيراني حسن روحاني، ليطمئنه أن باريس لن تلحق بعقوبات واشنطن ضد الحرس، وذلك في تكرار قميء لما فعلته فرنسا وشريكاتها الأوروبيات، لتمكين إيران من الالتفاف على العقوبات الأمريكية، المتعلقة ببرامج طهران النووية.طباعةEmailÙيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :