تصاعد التوتر في السودان بعد تعليق التفاوض بين قادة الحراك الشعبي والمجلس العسكري الانتقالي الذي بدأ صبره ينفذ حيال التشدد الذي يبديه هؤلاء، حيث يصرون على تنحيه واعتماد بديل “مدني”، دون أن تكون هناك رؤية واضحة أو توافق في ما بينهم حول أسماء الهيكل المطروح وكيفية عمله. وطالب المجلس العسكري الاثنين برفع الحواجز التي تغلق الطرق المؤدية إلى مقر قيادته، حيث يتجمع الآلاف من المتظاهرين أمامه منذ أسبوعين. ويتجمع المحتجون على مدار الساعة في هذا الموقع منذ أكثر من أسبوعين، وتوعّدوا بتصعيد تحركهم للمطالبة بحكومة مدنية. ويقول متابعون إن مطالبة المجلس الذي تولى زمام الأمور في السودان بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 11 من أبريل الجاري تحت ضغط الشارع، برفع الحواجز وإخلاء مناطق التجمهر مؤشر عن تغيير في سياسته حيال الرافضين لوجوده، والتي اتسمت بالمرونة وعدم الرغبة في توتير الأجواء. وأفاد بيان للمجلس العسكري من غير المقبول “قيام بعض الشباب بممارسة دور الشرطة والأجهزة الأمنية في تخط واضح للقوانين واللوائح” وذلك في إشارة إلى الشبان الذين يفتشون المحتجين المشاركين في الاعتصام. وأضاف في البيان “نطلب من المواطنين الكرام المساعدة في إزالة هذه المظاهر السالبة التي تؤثر علي حياة المواطن وأمن البلاد”. ودعا إلى فتح الطرق وإتاحة الوصول إلى وسائل النقل العام فورا. وكان رئيس المجلس العسكري الفريق عبدالفتاح البرهان قد ندّد في حديث صحافي الأحد “بغلق الطرقات التي تنتهك سيادة الدولة وتفتيش المواطنين دون سلطة. الأمور لا يمكن أن تستمر هكذا والأمن مسؤولية الدولة”. وسبق للمجلس العسكري الإعلان أنه لا يسعى إلى فض الاعتصام أمام مقرّ قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم، لكنه أكد في الوقت ذاته أنه “لن يسمح بعرقلة سير الحياة”. وليس هناك أيّ مؤشرات على الأرض توحي بنية المتظاهرين الاستجابة لدعوات المجلس. وقالت المتظاهرة كوثر حسب الله (23 عاما) “ستستمر نقاط التفتيش في العمل كما في السابق”. وتوقف مساء الأحد الحوار بين العسكريين وقادة الاحتجاجات بعد أن أعلنوا تعليقه لعدم توفر ضمانات كافية لتشكيل حكومة مدنية سريعا، متهمين المجلس بأنه امتداد لنظام البشير. ولا تزال طبيعة الجهة التي ستقود المرحلة الانتقالية بعد عزل البشير، نقطة الخلاف الرئيسية بين قادة الجيش والقوى السياسية المنظمة للاحتجاجات.وبينما شكل قادة الجيش مجلسا انتقاليا من 10 عسكريين -رئيس ونائب وثمانية أعضاء- لقيادة مرحلة انتقالية حدد مدتها بعامين كحد أقصى طارحا على القوى السياسية إمكانية ضم بعض المدنيين له، مع الاحتفاظ بالحصة الغالبة، تدفع الأخيرة باتجاه ما تسميه مجلسا مدنيا رئاسيا تكون فيه الغلبة للمدنيين، ويضم بعض العسكريين. والأحد قال الفريق البرهان إنّ “المجلس ملتزم بنقل السلطة إلى الشعب”، موضحا أيضا أن الجيش سيلبّي الأسبوع المقبل مطالب المتظاهرين. لكن قادة الاحتجاجات اعتبروا هذه التصريحات غير واضحة ودعوا إلى تكثيف التظاهرات. وذكر أحد قادة الاحتجاجات وجدي صالح أن المجلس العسكري أظهر وجهه الحقيقي. وأضاف أن مسؤولا عسكريا قال لوفد من الحراك إن مطالبه ستدرس ضمن مئة مطلب آخر من أحزاب سياسية مختلفة. ويخشى قادة الحراك الممثلين في تحالف “الحرية والتغيير” من عملية التفافية تمارسها اللجنة السياسية داخل المجلس المكلفة بالتفاوض مع الأطراف المدنية، عبر إشراك قوى لطالما عُدّت قريبة من نظام البشير. وهناك رفض شعبي لمشاركة الأحزاب والقوى التي كانت جزءا من النظام وشاركت في حكوماته الائتلافية، على غرار حزب المؤتمر الشعبي سليل “جبهة الإنقاذ”، والذي وجّه مؤخرا انتقادات لقوى “الحرية والتغيير” حيث اتهمها بممارسة سياسة الإقصاء. وقال حزب “الأمة” المعارض الذي يعدّ أحد مكوّنات “الحرية والتغيير”، “لقد ظهرت لنا جلياً نوايا، وأجندةُ بعضِ أعضاء المجلس العسكري، وسعيُهم إلى إعادة إنتاج النظام السابق”. وأضاف في بيان أصدره الاثنين “ندعوه إلى الاستجابة الفورية، ودون تأخير، والسماح بنقل السلطة إلى قِوى إعلان الحرية والتغيير، بوصفها أكبر المكوّنات الوطنية في الساحة، والتي قادت الحراك الثوري الراهن، بتؤدة وبصيرة”. وانضم الاتحادي الديمقراطي لحزب الأمة معلنا هو الآخر رفضه للمشاركة في الحكومة الانتقالية. وكان تحالف الحرية والتغيير الذي يفترض أن يعلن الأحد تشكيل هيئة مدنية لتحل مكان المجلس العسكري الحاكم، قد أكد أن ذلك سيتم “خلال أيام”، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من إرباك المشهد السوداني. ويوجد قلق حقيقي من أن تقود عمليات الشد التي تمارس بين المجلس والحراك إلى دخول السودان في منزلق خطير، ويرى البعض أن بعض مطالب قادة “الحرية والتغيير” تبدو غير واقعية، حيث أنه ليس من السهولة التخلص من إرث 30 سنة من حكم البشير، وأن التغيير يأتي بشكل متدرج خاصة مع تعقيدات المشهد في هذا البلد. بالمقابل فإن هناك مطالب كتنحي بعض الشخصيات المحسوبة على البشير داخل المجلس، يمكن للأخير النظر فيها لتأكيد حسن النية، وطمأنة المحتجين. ومن الأسماء التي تلاقي اعتراضات واسعة من قبل قادة الحراك رئيس اللجنة السياسية في المجلس عمر زين العابدين ومدير الأمن جلال الدين الشيخ، وعضو المجلس الطيب بابكر. وكانت حركة الاحتجاج انطلقت في السودان في 19 ديسمبر بعد قرار حكومة البشير زيادة سعر الخبز ثلاثة أضعاف وتحوّلت إلى حركة تطالب بتنحي الرئيس المسجون اليوم. ووصل البشير إلى سدّة الحكم نتيجة انقلاب في 30 يونيو 1989 وحكم البلاد بقبضة من حديد طوال ثلاثة عقود. وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات توقيف بحقه بتهمة ارتكاب “جرائم حرب” و“إبادة” في منطقة دارفور (غرب).
مشاركة :