د.ماجد بوشليبي منذ اعتماد منظمة «اليونيسكو» لفكرة العقد العالمي للتنمية الثقافية، والمقترح الذي تقدمت به وزيرة الثقافة اليونانية «ميلينا ميركوري» عام 1983م لمؤتمر وزراء ثقافة المجموعة الأوروبية باختيار عاصمة للثقافة، دخل العالم في عملية تغيير شاملة للمبادرات والمشاريع الثقافية، وهو ما يمكن أن نطلق عليه «النمذجة» التي صارت إحدى أهم الوسائل التي تنتهجها المنظمة الدولية، كمؤشر يقيس الفعل الثقافي بقدرته كمحرك تنموي فاعل، وهكذا، نشأت فكرة العواصم الثقافية، لتصنع حراكاً ثقافياً على مستوى العالم، سواء أكان على مستوى «اليونيسكو» أو على مستوى المنظمات الإقليمية، كالمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، التي اختارت بدورها ثلاث عواصم في كل إقليم كل عام، ولعل نجاح فكرة اختيار «يوم عالمي للكتاب» وحقوق المؤلف كذلك، شجع «اليونيسكو» على الذهاب إلى اختيار عاصمة عالمية للكتاب، وفق أفضل الممارسات والبرامج التي تقترحها المدن، لتفعيل البرامج المتعلقة بالكتاب، وصار يصوت على المدن المختارة الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات واتحاد الناشرين.أثبتت الشارقة أنها أحرزت تقدماً في معايير الثقافة، وأكثر من ذلك، فقد كانت استراتيجيتها متقدمة لتجاوز فكرة الاحتفاء، أو «النمذجة» بحد ذاتها، وقد نافست بقوة غيرها من العواصم، التي قدمت ملفات للفوز بهذا اللقب، وهي بالمناسبة عواصم أقدم وأكثر خبرة في التعاطي مع التنمية الثقافية، فماذا عملت دولة الإمارات العربية المتحدة، لتصبح مثالاً يطلب للاقتداء، وكيف سلكت الشارقة هذا المسلك التنموي في الثقافة ليقاس على برامجها؟في نهاية السبعينات، أعلن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بعد حضوره لعرض مسرحي أنه سيعيد قراءة التنمية نحو الإنسان، ولذا كان هناك نهج لتأسيس دائرة للثقافة، وبالمناسبة، فقد أنشأت فرنسا أول مبادرة إقليمية لإدارة الثقافة في عام 1963، وبعدها بأشهر، كان هناك حراك في جميع الاتجاهات يرسخ لجعل الثقافة مرتكزاً للعمل التنموي، وإذا أردنا الدقة فقد تواجدت الكتب والمكتبات في الإمارات على مستوى العمل الاجتماعي والرسمي، ف «المدرسة التيمية» و«الإصلاح» باشرتا دورهما التثقيفي قبل ابتداء التعليم كمؤسسة رسمية، وذلك في عام (1902)، حيث كانتا تحتويان على مكتبات، بل إن هناك من قال: «إن أول مكتبة في الشارقة، كانت قد سبقت هذا التاريخ بسنوات»، لكن الفكرة المتعلقة بالكتاب والاحتفاء بعواصمه، ذات معايير تقاس على امتداد رعاية الكتاب والمؤلف وحركة النشر، ويتمثل هذا في وجود أكبر معرضين في الإمارات، في الشارقة وأبوظبي، وكذلك مدينة الشارقة للنشر، وجمعية الناشرين الإماراتيين، عدا عن كثير من مبادرات القراءة، والقوانين المتعلقة بها، وهذا الإنجاز، يضاف إليه عدد وحجم الجوائز المخصصة للكتاب والمؤلفين على المستوى المحلي والإقليمي، وهذا معطى كبير سابق على فكرة العواصم.إن السياسات الثقافية المتعلقة بالكتاب، ترتبط بشكل مباشر بمسائل عدة، وبخصوص الكتاب، فنحن هنا، نتحدث عن سلسلة من المبادرات، كقانون السعر الموحد للكتاب - أصدرته فرنسا عام 1982- وقانون الكتاب، الذي يخرجه من وضع السلعة الضريبية، إلى خصوصية المعرفة، إضافة إلى شؤون المكتبات، والمشاغل ومحترفات الشباب الفكرية والأدبية، والإحصاء والدراسات الثقافية وغيرها من الأفكار.الكتاب لا يسير وحيداً في التنمية، فعندما نهتم به، يسير إلى جنبه كثير من قضايا التنمية التي لها صلة بالمعرفة والابتكار والإبداع.
مشاركة :