«داعش» تحت مرمى نيران السخرية

  • 3/16/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

تُقاس قوة الشعوب النفسية والروحية ومدى صلابتها بقدرتها على السخرية، وهكذا شعرت بحالة من الاطمئنان على الصحة النفسية للمصريين والعرب، وأنا أتابع الرد الفوري الذي اشتعلت به كل مواقع «النت» مستهزئة بنشيد «صليل الصوارم» الذي أصدره الدعادشة لإعلان موقفهم المعادي للحياة. صار الصليل على الجانب الآخر تماما فهو يفتح الشهية للضحك من خلال الاستعانة بمقاطع من النشيد تم تركيبها على مشاهد شهيرة لنجوم الكوميديا أمثال أحمد حلمي، ومحمد سعد، وأحمد مكي، وغيرهم. ولم يكتفوا بهذا القدر، بل امتدت دائرة السخرية إلى رجل الشارع، حيث الأفراح الشعبية في القاهرة والعديد من المحافظات، لنرى العريس والعروس والمعازيم يرقصون على إيقاعات هذا النشيد، وأقام بعضهم إمعانا في السخرية والتحدي قفصا من الكرتون ويدخل العريس والعروس إليه بديلا عن الكوشة، ونرى خنجرا خشبيا نستمع إلى صليله الذي تحول إلى قهقهات بصوت إسماعيل يس، ليصبح الصليل صهللة!! كل تلك التفاصيل التي أرادوا من خلالها إخافتنا بتسريبها للملايين عن طريق قنوات التواصل الاجتماعي، صارت على العكس تماما تؤدي إلى الضحك عليهم والاستهانة بأفكارهم المريضة، حتى أنهم وضعوا مقاطع من نشيد «داعش» على رقصات صوفينار، «داعش» تحرص على أن ترهب العالم بتلك الأشرطة التي صوروها لضحاياهم، حيث استخدموا في التنفيذ أكثر من كاميرا وفريقا تقنيا محترفا وأيضا لعبت الموسيقى التصويرية والمؤثرات البصرية والصوتية والمونتاج، بل ولحظات الصمت والترقب، دورا في تصدير تلك الحالة من الرعب التي أرادها هؤلاء الدمويون. بث الخوف إلى العالم من خلال تلك الأشرطة هو هدفهم الاستراتيجي، حتى يفكر ألف مرة من يريد أن يتصدى لهم، بأنه سوف يواجه قوة باطشة لا تعرف سوى جز الرقاب. في المقابل، كانت السخرية اللاذعة هي وسيلة المقاومة القادرة على التصدي، أن تستهين بالخطر هو السلاح الباتر وحائط الصد الذي تواجههم به، لا تستطيع أن تهزم عدوك وأنت تبالغ في قوته ولكن الاستهانة برسائلهم التي قدموها عبر «الميديا» نوع من التفجير الذاتي المبكر لها عن طريق تحويلها إلى قنبلة عكسية ترتد إليهم. تذكرت مشهدا من «تمبكتو»، الفيلم الموريتاني، وهو بالمناسبة أهم فيلم عربي عُرض في 2014، وكان عنوانا لنا في العديد من المهرجانات والمسابقات العالمية، والحاصل على جائزة «سيزار» الفرنسية كأفضل فيلم، التي تعادل «الأوسكار» الأميركي. قدم المخرج عبد الرحمن سيساكو مشهدا لافتا داخل فيلمه يسخر فيه من منظمة أخرى إرهابية وهي «بوكو حرام»، فلقد تعددت التنظيمات والتسميات والإرهاب واحد، قدم المخرج مشهدا موازيا لهم وهم يستعدون لقتل الضحية ثم في اللحظة الحاسمة يتضح أنه مجرد مقلب ساخر، ليتحول إلى موقف كوميدي. في الحقيقة الفيلم يقدم رسالة للعالم بقدر ما تدين الإرهاب الذي يتدثر عنوة بالإسلام بقدر ما تدافع عن حقيقة الإسلام، كل تلك التفاصيل قدمها المخرج بهدوء ونعومة وأيضا بخفة ظل. كثير من التراجيديات رآها البعض تحمل وجها آخر يدعو للضحك مثل ريا وسكينة وهما أشهر سفاحتين في التاريخ المصري والعربي بتلك الجريمة التي أقدمتا عليها في مطلع القرن العشرين، فقدم المخرج صلاح أبو سيف فيلمه التراجيدي عنهما في عام 1953، ثم من بعدها تعددت المعالجات الكوميدية الساخرة التي تُضحكنا على ريا وسكينة. صليل الصوارم تحول عبر الميديا إلى ضحكات ساخرة ترهب بالقهقهة أعداء الحياة.

مشاركة :