نجح الانسان في سبر أغوار الكون البعيدة والبحار العميقة والصحاري الشاسعة بشكل كبير وملحوظ، لكن مازال في بداية الفهم أسرار الشخصية الإنسانية نفسها، وما أن تظهر نظرية نعتقد أنها االملاذ الذي سنستريح في رحابه علي جزر الفهم إلا وتخرج نظرية أخرى تهدمها لتبني منطلق جديد للفهم مما يجعلنا نعود بعد كل اكتشاف جديد في نظريات الشخصية الي المربع الأول أو الثاني علي الأكثر.فما أن ظهرت نظرية التحليل لعالم النفس المعروف سيجموند فرويد وذاع صيتها حتى أحدثت ثورة فكرية وبحثية في العالم، حيث وضعت أيدينا علي كثير من المفاهيم التي تفسر الكثير من الاضطرابات النفسية المعقدة (من خلال مفاهيم الهو والأنا والأنا الأعلى أو الضمير) والأهمية الكبيرة للأحلام من الناحية الرمزية واستخدام هلوسة المريض وهذاءاته للاستدلال علي طبيعة الاضطراب أو المرض الموجود عنده.فإذا بنظريات جديدة تظهر تنتقد بقوة هذه المفاهيم وتعتبرها غير علمية علي الاطلاق بل وترفض كل ما اكتشف بناء عليها لأن ما بُني علي خطأ فهو خطأ، راجع نظرية السلوكية لجون واطسة الأمريكي والتي تفسر السلوك الإنساني طبقًا لعوامل موضوعية خارجية بعيدًا عن افتراضات فرويد وغيره والتي اطلق عليها واطسون اشباح حيث لا يمكن لمسها او التحقق منها بطرية علمية تجريبية مثل الاحلام والهو والأنا والأنا الأعلى والضمير والدوافع والحوافز وهكذا ..ولكن في محاولة منا للفهم حاولنا الجمع بين المتفق عليه في هذه النظريات وغيرها لفهم أعمق للشخصية الإنسانية بأبعادها والعوامل المؤثرة فيها وكيف يمكن علاج ما بها من اضطرابات بل وتحسين أدائها وتكيفها وتفاعلها الإجتماعي ثم بعد ذلك جعلها أكثر إنتاجًا واستمتاعًا بالحياة.لذلك ظهرت فكرة الابعاد النفسية لتفسير الشخصية، وهي تقوم علي وضع عدة محاور لفهم الشخصية كل محور يتكون من بعدين بيتهما مدرج أو مسطرة وكل انسان يقع علي نقطة معينة في هذه المسطرة مثال، بعد الانبساط الانطواء، وكل إنسان يوضع علي نقطة بينهما نحددها من خلال الملاحظة الموضوعية وليس بالضرورة أن يكون إنسان عند قطب الانبساط أو قطب الإنطواء بل من الصعب أن تجد هذه النوعية فالامر يشبه المسافة بين القاهرة وأسوان فهناك عشرات المحطات التي سيقع عليها كل منا.اذن، ماهي هذه الأبعاد أو الأقطاب النفسية المختلفة وكيف أميز نفسي عليها البعد الأول : الاتزان الانفعالي مقابل عدم الاتزان الانفعالي (العصابية)فالشخص القلق الذي يضخم الأمور (يعمل من الحبة قبة)، ويفترض دائماً أسوأ الاحتمالات ويجعلها وكأنها واقع.حساس للنقد لا يتقبله يغضب بسهولة ينتقد الاخرين دائمًا وبأسلوب غير موضوعي..يتجنب المحيطون به التعامل معه يوصف بأنه متعب في التعامل، دائم التذمر والشكوي متوتر قليل الابتسام.كلما توافرت الصفات السابقة فأنت اقرب الي قطب عدم الاتزان الانفعالي أو العصابية ( اكتب بدقة الموجود عندك بموضوعية ودون مبالغة).بينما لو كان الشخص هاديء مستقر المزاج يتعامل بواقعية مع الاحداث، لا يبالغ في التعاطي مع الأمور بصفة عامة.يصفه المحيطون به بأنه محبوب طيب المعشر كان أقرب الي قطب الاتزان الانفعالي.وهكذا من الضروري جدا أن نستفيد من السمات السابقة وأن أحدد بواقعية وصدق علي أي نقطة أقع عليها، هل انت انبساطي ام إنطوائي، وما هي السمات العلمية التي نحدد علي أساسها هذا موضوع الجزء الثاني في المقالة القادمة إن شاء الله.