طفلي ذكي ومبدع.. كيف أتعامل معه؟

  • 4/28/2019
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

يروى أنه في مدينة صغيرة أعلن المفتش (فلان) رغبته في زيارة المدرسة الابتدائية الموجودة في أطراف المدينة، وعندما لاحت المدرسة في الأفق تعطلت سيارته ورفضت التحرك والاشتغال، ووقف حائرًا بجانبها بسبب العطل لا يعرف كيف يتصرف. وبينما كان المفتش يقف أمام سيارته مر طفل يبدو على محياه أنه من تلاميذ المرحلة الابتدائية، اقترب من المفتش - وهو لا يعرفه - وسأله عما إذا كان في وسعه مساعدته، وفي وضعه المتأزم أجاب المفتش: هل تفهم شيئًا عن السيارات؟ لم يطل الولد الكلام بل أخذ أدواته واشتغل تحت غطاء المحرك المفتوح، وبعد لحظات طلب من المفتش تشغيل المحرك، فعادت السيارة إلى العمل من جديد، شكر المفتش الولد، ولكنه - بحكم عمله - أراد أن يعرف لماذا لم يكن الولد في المدرسة في هذا الوقت؟ فأجاب الغلام: «سيزور مدرستنا اليوم المفتش، وبما أنني الأكثر غباء في الصف، لذلك أرسلني المدير إلى البيت». لا نعرف إن كانت هذه الحكاية صحيحة أم من وحي الخيال، إلا أنها تطرح العديد من الأسئلة ربما من أهمها: هل هذا الطفل غبي أم ذكي؟ وكيف يمكن أن يوصف؟ مثل هذه الأسئلة كثيرًا ما توجه إليّ في عديد من الدورات التدريبية والخاصة عندما تدور الدورة حول موضوع التفكير الإبداعي في حل المشكلات، أو حتى في الموضوعات التي تتحدث عن المخ ونوعيات التفكير وما إلى ذلك، وربما في بعض الاستشارات التي أقدمها بين الحين والآخر. ونحن كأولياء أمور نعتقد بل ربما نجزم تمام الجزم بأن أطفالنا أذكياء ومبدعون، ولكننا بعد ذلك - قد - نصاب بخيبة أمل وخاصة عندما نقارن أطفالنا بالآخرين، فنجد أن أطفالنا أقل ذكاءً وقدرات مقارنة بالآخرين، وذلك ربما بسبب أننا لم نستطع أن ندرس معالم الطفل ولم نحدد سمات قدراته، لذلك نجد أنه من المهم أن نعرف كيف نحدد ملامح الطفل الذكي في البداية ومن ثم كيف نتعامل معه؟ كيف نحدد ملامح الطفل الذكي؟ ربما تُعد تحديد ملامح الطفل الذكي عن غيره من أصعب الأمور وخاصة عند الوالدين، ولم نجد في الدراسات والأدبيات التي رجعنا إليها ملامح واضحة، فالعلماء - أنفسهم - اختلفوا في عديد من تلك الملامح، وقد يقول قائل يمكن أن نقيس ذكاء الطفل ببعض الاختبارات الموجودة اليوم عند الأطباء المختصين في مثل هذه الموضوعات والتي تطبق على الأذكياء، وهذا صحيح ولكن المقصود هنا أننا نحاول أن نعطي الوالدين والمربي بعض الأدوات العامة التي يمكن أن تكون موجودة بين أيديهم في أي وقت وأي لحظة والتي من خلالها يمكن تحديد ما إن كان الطفل يتمتع ببعض المهارات أو نسبة من الذكاء تفوق أقرانه أم لا، وليس الأدوات الأكاديمية التي يمكن من خلالها قياس نسبة الذكاء وما شابه ذلك، وعلى هذا سعينا للوصول إلى نوع من التوافق بين المراجع والأدبيات ووجدنا بعضا من تلك الملامح التي إن ظهرت على الطفل يمكن أن يعتبر ذكيا، وهي: 1- الفضولية الظاهرة؛ هذه العلامة تظهر على الطفل بعد سن الثالثة، حيث تبدأ مرحلة النطق السليم وتمييز الأشياء حوله فيبدأ بالسؤال عن كل جديد مع تكرار الأسئلة لحين يقتنع بالإجابة، وهنا يجب على الأهل إجابة الطفل على تساؤلاته وعدم قمعه لأن هذا يساعد في زيادة ذكائه وتطوير مهاراته. 2- دقة الملاحظة؛ يتميز الطفل عادةً بصفاء ذهنه وزيادة تركيزه، لذلك يلاحظ التغيرات البسيطة التي تدور من حوله، ويبدأ بالسؤال عنها وهنا يمكن اختبار قوة ملاحظة الطفل وتركيزه عن طريق تحريك بعض قطع الأثاث في المنزل والتي يجب أن يلاحظها الطفل. 3- التنويع في صيغة الأسئلة التي يطرحها؛ قد يلاحظ على بعض الأطفال قدرتهم على التنويع في طرح الأسئلة عن نفس الموضوع، فيبدأ - مثلاً - بالسؤال المباشر عن شيء معين ثم يحاول المراوغة، والسؤال بطريقة غير مباشرة عن نفس الموضوع، كما يمكن الملاحظة أحيانًا التنويع في أدوات السؤال فيستخدم - مثلاً - كم وهل ولماذا، وفي هذه الحالة نجد أن الطفل يتمتع بالذكاء في الحوار فقد يكون محاورًا جيدًا في المستقبل. 4- تمييز الألوان والأشكال؛ من علامات الذكاء لدى الطفل تمييزه للألوان والأشكال في سن مبكرة حيث يستطيع الطفل التمييز بين الألوان في عمر السنتين، ويستطيع التعبير عن ذلك في عمر الثلاث سنوات تقريبًا لذلك يجب سؤال الطفل عادةً عن الألوان باستمرار لتطوير مهاراته. 5- سهولة التعلم وكثرة المحاكاة؛ وربما يطلق على المحاكاة بعض العلماء مصطلح (التقليد)، عمومًا فما إن تتحدث الأم أو تقوم بحركة معينة، إلا ويبدأ الطفل في محاولات التقليد حتى يتمكن من محاكاتها، فهذا يؤكد أن الطفل لديه قدرات مميزة تساعده على التطور سريعًا، وربما هذا يعني أن للطفل قدرة على تخزين المعلومات في ذهنه، ليبدأ في تطبيقها فيما بعد حينما يستطيع، ويمكن أن يعود إلى تطبيق بعض الأمور في وقت لاحق لأنه لا يزال يفكر فيها ولديه تحدٍ وإرادة على القيام بها في الوقت المناسب. 6- التحدث في سن مبكرة؛ فكلما كان الطفل أسرع تطورًا في عقليته وفكره، كلما سبق سنه في العديد من الأمور، مثلاً التحدث في عمر مبكرة عن بقية الأطفال، فيمكن أن يتم عمر سنة وهو قادر على قول بعض الكلمات جيدًا، ومعرفة ما يراه في الصور. وربما بعد أشهر قليلة يتمكن من قول بعض الجمل الصحيحة والمفهومة، وهكذا يتطور أداؤه في كل مرحلة تلو الأخرى، وهذا يدل على استعداده لإدراك الكثير من المعلومات واستيعاب العديد من الأفكار. 7- استخدام المهارات الحركية؛ قدرته على توازن المهارات الحركية مع الحسية، حيث يستطيع أن يتلقى ويشعر ويستجيب في آن واحد، فعلى سبيل المثال يرى شيئا يسعده ويبدأ في التبسم وتحريك أعضائه تعبيرًا عن سعادته، عكس الطفل الذي لا يعطي أي انطباعات أو ردود أفعال. وهناك أمر آخر متعلق بالمهارات الحركية لدى الطفل، وهو محاولاته المتعددة لأن يمسك بيده ما يريد، ويفكر في كيفية الحصول على هذه الأغراض بمختلف الطرق، فبعض الأطفال يفكرون في الوقوف على كرسي ليحصلوا على ما يريدون من الأشياء الموضوعة في مكان مرتفع. 8- الميل إلى الأمور المعقدة؛ بعض الأطفال يفضلون خوض الصعاب، ويتجاهلون الأمور السهلة، وهؤلاء على عكس الطفل الذي يتجنب الدخول في تفاصيل معقدة ويبحث عن الأبسط دائمًا. ويعتبر - بعض العلماء - أن هذا الأمر مؤشر على ذكاء الطفل وعبقريته، فإنه يساعد في تطوير مهاراته المختلفة، ومن ثم يزيد من فرص تفتح العقل وتنميته. 9- كثرة الكلام؛ على الرغم من أن الآباء يظهرون انزعاجًا - أحيانًا - من كثرة كلام الطفل خصوصًا في السنوات الثلاث الأولى من عمره، إلا أنه في الحقيقة إحدى علامات الذكاء لدى الطفل، فهو يحاول تطوير مهاراته اللغوية ويحاول لفت الانتباه باستمرار، لذلك يجب الاستماع إلى الطفل ومحاولة إجراء حوار مفيد معه. 10- العناد ومحاولة فرض الرأي؛ بعض الأطفال الأذكياء يحاولون إظهار شخصياتهم العنيدة ورفض مطالب والديهم ومحاولة فرض رأيهم بطريقة أو بأخرى، وهنا يجب أن يكون الأهل على قدر من الوعي للحفاظ على شخصية الطفل وخياراته بطريقة سليمة، ومساعدته في أخذ القرار المناسب. هذه بعض الملامح والسمات التي يمكن أن تدل على قدرات الطفل، ولكن يجب أن نفهم خمسة أمور مهمة: أولاً: أنه ليس من الضروري أن توجد كل هذه السمات في الطفل حتى يمكن اعتباره طفلا ذكيا، إذ ربما توجد فيه بعض تلك السمات في مرحلة وتتأخر سمات أخرى أو قد لا تظهر، وهذا لا يعني أن الطفل ليست لديه المهارات، إذ إن بعض الأطفال تتأخر لديهم قدرات المشي أو النطق، ولكن هذا يتوقف على أمور أخرى. ثانيا: أن ما تم ذكره ما هو إلا جزء قليل من السمات والملامح، والدراسات والمراجع تذكر عددا أكبر من ذلك بمرات، ولكن ما تم ذكره هنا غيض من فيض، والمهم، أنه على الوالدين أن يكونوا لماحين وأصحاب قدرة كبيرة على الملاحظة حتى يتمكنوا من تمييز أطفالهم وخاصة في مراحلهم وسنواتهم الأولى. ثالثًا: إن ذكاء الطفل لا يعني أنه يجب أن يكون الأول على صفه وبين أقرانه، فالمدارس في العالم العربي تخرج أطفالاً من أجل حفظ المنهج والنجاح في الاختبارات فقط، وليس بهدف تخريج أطفال أذكياء ومبدعين، وربما على العكس فالمدارس والمناهج في العالم العربي تقتل الإبداع وتخنقه، وتكفينا الحكمة التي تقول «الطفل الذي يقتصر تعليمه على المدرسة هو طفل لم يتعلم»، لذلك مهما كانت النتائج المدرسية فإنه من غير الحكمة أن نحكم على أطفالنا ونقيمهم بناء عليها. وحتى لا نظلم أحدا فإننا نقول إن الدرجات الدراسية ترتبط عادة بالاجتهاد المدرسي أكثر من ارتباطها بالذكاء والإبداع والقدرات الذهنية. رابعًا: لا تقارن بين طفلك والأطفال الآخرين، ولا بين طفلك الذي تعتبره ذكيا بإخوته، فلكل طفل قدراته الخاصة، فلا يوجد طفل غبي وطفل ذكي، وإنما هي عوامل وراثية وبيئية لها تأثيرات في العديد من الجوانب، فهناك طفل وجد رعاية وطفل أهمل، وطفل حصل على فرص وطفل ترك من غير اهتمام. خامسًا: هناك أمر أجده مهما وإن يغفل في الكثير من الأحيان وهو موضوع تغذية الطفل، وما يحويه الغذاء المتناول من ملوثات ومضافات غذائية وما إلى ذلك، فالأغذية الملوثة بالرصاص - مثلاً - ذات تأثير كبير في مراكز الذاكرة لدى الطفل، والمضافات الغذائية لها تأثيرات سلبية على الأطفال وقدراتهم الحركية والحسية، هذا بالإضافة إلى تناولهم الأطعمة الدسمة والسكر والكافيين وما إلى ذلك، كل هذه الأمور ذات تأثيرات على تنمية قدرات الطفل. كيف نتعامل مع الطفل الذكي؟ وقبل أن نختم مقالنا، وحتى نوفي الطفل الذكي حقه وكذلك الوالدان فإنه من المهم أن نذكر بعض الأمور التي يمكن للوالدين القيام بها حتى لا يهضم للطفل أي حق، لذلك يمكن: 1- دروس في القرآن الكريم؛ فعندما يتعلم الطفل القرآن الكريم فإن ذلك يساعده على تعلم اللغة العربية كتابة ونطقًا، وكذلك ينمي قدرته على الحفظ، بالإضافة إلى تنمية قدرة الطفل على الخيال إذ إنه يتخيل القصص والحكايات الموجودة في القرآن الكريم والعديد من الأمور التي لا يمكن أن توجد إلا في هذا المصحف، وتنمية الأخلاق، والحث على العلم والتعلم، فالتعلق بالقرآن الكريم أصبح اليوم من القضايا المهمة التي يدعو إليها الكثير من علماء النفس وعلماء التربية. وربما هنا أحاول أن أتذكر أن أحد كبار الممثلين العرب عندما سئل في مقابلة تلفزيونية عن قدراته في اللغة العربية أجاب أنه يقرأ يوميا ما لا يقل عن 10 صفحات من القرآن الكريم بهدف تحسين مخارج الحروف لديه. 2- الحث على القراءة؛ ونحن هنا نقول لا تقرأ لأطفالك وإنما اقرأ معهم، فالطفل لديه القدرة الكبيرة على تعلم القراءة، لذلك لا تدعه يحدّق في الصور الموجودة في الكتاب بينما تقوم أنت بكامل القراءة له وحدك، وإنما أطلب منه الانتباه إلى الكلمات، دعه هو يقرأ وقم أنت بالتصحيح والشرح والتفسير، فقد أظهرت بعض الأبحاث أن «مشاركة الأطفال في القراءة مع الانتباه لتطوير مهارات القراءة لديهم، سيجعل من القراءة أداة فعّالة لتطوير القدرة الأدبيّة الأوليّة حتى بالنسبة إلى الأطفال الأقل استيعابًا». 3- اللعب؛ اترك الطفل يلعب، حتى وإن كان يريد أن يلعب كرة القدم أو بعض الألعاب الإلكترونية، لا تحرمه بل قنن ذلك، فاللعب - كما تشير العديد من الدراسات - وسيلة مهمة للتربية وتنمية الشخصية، وكذلك تنمية ذكاء الطفل. 4- التعبير عن المشاعر؛ فالأطفال في السنوات المبكرة لديهم الرغبة في التعبير عن مشاعرهم، فهم يخرجون تلك المشاعر في بعض الأحيان بالتحدث، وفي بعض الأحيان بتكسير اللعب، وربما بالغضب أو ببعض الطرق غير المعتادة والتي يمكن أن تثير حفيظة نفوسنا، لذلك علينا - نحن أولياء الأمور - أن نتحلى بالهدوء وأن نتفهم الحالة النفسية التي يمر بها الطفل، إذ ربما شعر في لحظة ما بالإحباط أو بالإهمال أو بأي نوع من المشاعر، لذلك - وإن كان الوضع حرجا جدًا - أن نتفهم الطفل وأن نقدر اللحظة التي يمر بها. عمومًا، هذه بعض المشاعر وبعض الطرق وبعض الأساليب التي يمكن أن نعيشها، وبعض الأمور التي يجب أن ندركها حول الطفل الذكي، ومن الجدير بالذكر أن الموضوع أكبر من هذا بكثير، وربما نعاود الحديث عنه في المستقبل القريب.

مشاركة :