التناقض في الأحكام القضائية في قضايا متشابهة ظاهرة مزعجة، لا ينكرها شخص مطلع منصف، ولسنا بصدد ذكر أمثلة حتى لا تبعدنا عن الفكرة، علما أن التباين البسيط في الأحكام القضائية أمر مفهوم وطبيعي وذلك وفقا للحيثيات التي لدى القاضي عن كل قضية، والإثباتات والأدلة التي لدى المدعي، والحجج التي لدى المدعى عليه، إلا أن الاعتراض هو على الاختلاف الكبير جدا في الأحكام، بشكل غير قابل للتبرير. وهناك قضاة أفاضل وعلماء حريصون على العدل غيورون على سمعة القضاء في بلادنا بحت أصواتهم منذ سنين طويلة وهم يطالبون بتدوين الأحكام القضائية ونشرها دوريا كآلية من ضمن آليات تساعد على الحد من تباين الأحكام، ولكن رغم منطقية وعدالة مطلبهم لازال تيار الممانعة الرافض للتدوين بحجج أضعف، هو الأقوى والفارض لرؤيته لأسباب لا يعلمها إلا الله. كحل مرحلي يمكن البدء بتدوين الأحكام القضائية في ما يتعلق بالمنازعات التجارية أو الأمور المتعلقة بالشأن الاقتصادي بشكل عام، ونشرها دوريا في موقع وزارة العدل والمجلس الأعلى على القضاء، بحيث تكون مرجعا استرشاديا مهما للقضاة عند النظر في قضايا متشابهة، وللمحامين، ولرجال الأعمال وللشركات عند إبرام العقود وعند نشوء الخلافات التي تعد أمرا متكررا في العلاقات التجارية، وكذلك حتى يستفيد منها من يقومون بالتحكيم في الخصومات التجارية والاقتصادية. إن "تدوين أحكام القضاء التجاري" خطوة ستسهم في معالجة الضعف الشديد في الشفافية فيما يتعلق بالأحكام المتعلقة بالمنازعات التجارية والبطء الشديد في البت فيها، الذي يمثل أحد أبرز الجوانب السلبية في بيئة أداء الأعمال في المملكة، ومنذ سنوات ونحن تراجع في المؤشرات الدولية ذات العلاقة بهذا الجانب، وكان يفترض العكس، وحدوث تقدم سريع نظرا لوجود مشروع ضخم لتطوير مرفق القضاء والإعلان عن إنشاء محاكم متخصصة في القضايا التجارية. مع التأكيد على أن بيئة أداء الأعمال في المملكة تتضمن إيجابيات عدة ونقاط قوة حقيقية، ولكن يصعب إبرازها والاقناع بها، في ظل بقاء الجوانب السلبية وأهمها ما يتعلق بإجراءات حل المنازعات التجارية.
مشاركة :