نتيجة للتحولات الكبيرة والمتسارعة التي طرأت على المجتمعين المحلي والعالمي، كان لزامًا علينا إعادة النظر في التعليم برؤية كونية وغير مألوفة بعض الشيء، ومحاولة البحث عن الإجابات لبعض الأسئلة الملحة والمعمّقة من قبيل: أين نحن من المساءلة التي هي المحور الأساس في تقرير التعليم للجميع لعام 2017م؟ وما دلائل ومؤشرات بلوغنا على المستوى المحلي للهدف الرابع للتنمية المستدامة (ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع)؟ وهل بالفعل التعليم يمثل مسؤولية مشتركة؟ وما مسؤولية الحكومات في حماية الحق في التعليم؟ وما دور المواطنين والحراك الطلابي ووسائل الإعلام المتنوعة في التعليم؟ وهل يا تُرى ما زالت مؤسساتنا التعليمية تتحمل العبء بشكل مباشر أمام الحكومات وبشكل غير مباشر أمام الطلبة وأولياء أمورهم؟ وما دور منظمات المجتمع المدني في رسم السياسات والممارسات المدرسية؟ وما مسؤولية المعلمين في صياغة سياسات مساءلتهم الخاصة بهم؟ وما مسؤولية أولياء أمور الطلبة باعتبار التعليم مسعى مجتمعيا مشتركًا؟ وما دور المنظمات الدولية في مساعدة البلدان على وضع أهداف مشتركة في مجال التعليم وإنشاء آليات التنفيذ؟ وأخيرا ما الدور الذي يضطلع به القطاع الخاص في الارتقاء بالتعليم وتحسين جودته ومخرجاته؟ وغير ذلك من الموضوعات التي ضُمِّنت في التقرير الدولي. في فبراير الماضي 2019م أطلقت هيئة جودة التعليم والتدريب في مملكة البحرين الإطار الجديد لمراجعة أداء المدارس الحكومية والخاصة، وهذا الإطار يولي في مقدمته اهتمامًا بالغًا للمهارات المطلوبة بالنسبة إلى المتعلّم وأنها تمثل أمرًا أساسيا، بغية الوصول إلى فردٍ قادرٍ على التعامل مع متطلبات المراحل اللاحقة لتخرّجه في المدرسة؛ سواءً كانت متعلقة بمتابعة تعليمه العالي أو الانخراط في سوق العمل، كما يركز الإطار ذاته على تطوير المخرجات التعليمية لها، من خلال الاستناد إلى مهارات القرن الواحد والعشرين. وتأتي أهمية مهارات القرن الواحد والعشرين باعتبارها منطلقًا لمجالات الإطار ومعاييره، بحيث تفرز العملية التعليمية أفرادًا متمكنين من المهارات الأكاديمية والحياتية الداعمة، وقادرين على التأقلم والمنافسة ومواجهة التحديات، فهذه المهارات تهدف إلى توحيد الرؤية واللغة فيما يرتبط بالمتوقع من الطلبة عند استكمالهم المراحل التعليمية المختلفة، وتقليص الفجوة بين مخرجات التعليم، ومتطلبات سوق العمل. حدّد الإطار الجديد لمراجعة أداء المدارس ثماني مهارات أساسية للقرن الواحد والعشرين وهي على النحو الآتي: 1- مهارة المواطنة المحلية والعالمية 2- مهارة التفكير الناقد 3- مهارة التواصل والعمل الجماعي 4- مهارة الإبداع وحل المشكلات 5- مهارة القيادة وصنع القرار 6- مهارة الريادة والمبادرة 7- مهارة الثقافة التكنولوجية 8- مهارة التمكن اللغوي. بطبيعة الحال، فإن هذه المهارات الثماني ليست منفصلة عن بعضها بعضا، بل إنها مترابطة إلى حد كبير وكأنها وجدت لتكون هكذا متداخلة مع بعضها، وهنا يأتي دور معلّم ومتعلّم القرن الواحد والعشرين للارتقاء بمنظومة التعليم وإيجاد واقع تعليمي متطور وبرؤية كونية، قادرة ليس فقط على تزويد المتعلمين بمجموعة من المعارف والمعلومات، بل بتدريبهم على اكتساب المهارات والقيم الكونية التي نصت عليها الأهداف الـ 17 للأمم المتحدة في مجال التنمية المستدامة. ولنأخذ على سبيل المثال: مهارة المواطنة المحلية والعالمية، وهي مهارة مرتبطة بالقيم المدرسية وذات بُعدٍ أمميٍ، حيث بإمكان معلّم ومتعلّم القرن الواحد والعشرين ابتكار أنشطة صفية من قبيل: ركن المواطنة وحقوق الطفل- حقوق المرأة- حقوق الإنسان- حقوق كبار السن (توزيع الأدوار في التمثيل)- حقوق ذوي الإعاقة- مسابقة صفّي أجمل- الانضباط وإدارة الوقت- المحافظة على الممتلكات- ترشيد استهلاك الكهرباء وما إلى ذلك. وثمة أنشطة لا صفية لا تقل أهمية عن الأنشطة الصفية عند تطبيق مهارة المواطنة المحلية والعالمية، مثل توظيف برنامج الطابور الصباحي أو الإذاعة المدرسية في عرض مسرحية تهدف إلى تنمية الوعي بأهداف التنمية المستدامة كالتغيّر المناخي، أو الاهتمام بالحديقة المدرسية والمساحة الخضراء في الفضاء المدرسي أو ابتكار المشاريع البيئية التي تضمن لنا الاستدامة مثلاً في الأمن المائي أو الأمن الغذائي أو الطاقة المتجددة، أو القيام بالحملات اليومية التي يتشارك فيها كل من الطلبة والمعلمين في الفضاء المدرسي لمنع رمي المخلفات أو النفايات التي لا تليق بالمجتمع المدرسي، وتفعيل اللجان والبرلمانات الطلابية للإسهام في تكريس مبدأ الحقوق والمسؤوليات والاحترام في الحرم المدرسي، والانخراط في برنامج المدارس المنتسبة إلى اليونسكو، أو المدارس المعززة للمواطنة وحقوق الإنسان. بطبيعة الحال، فإن مهارات التعليم للقرن الواحد والعشرين تعدُّ مهمة للجميع، ذلك أن الحقائق العلمية تشير إلى أن نحو 80% من الوظائف ستختفي بعد عقدين من الزمان، وبأن المعلومات تتضاعف كل عقد من الزمان، ولا توجد وظيفة محددة للأشخاص في المستقبل، فقد يكون لديهم 4 أو 5 وظائف؛ أي أنهم سيحتاجون إلى 4 إلى 5 مهارات أساسية من حزمة مهارات التعليم في القرن الواحد والعشرين. زبدة القول، إذا أردنا تطويرًا حقيقيا ملموسًا وجوهريا في التعليم فلا بد أن يكون شغلنا الشاغل هو إيجاد نظام تعليمي يكون دوره الأساسي تعليم الطلبة كيف يتعلمون، وماذا كانت توقعات المتعلمين من المدرسة ولم تقدّمها لهم؟!
مشاركة :