إمبراطور اليابان يخرج من دائرة الضوء

  • 5/7/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إن رغبة أكيهيتو في الانخراط في قضايا التدهور البيئي وانتهاكات حقوق الإنسان، جعلت منه متحدثا عابرا للحدود الوطنية باسم الإنسانية، ومن هذا المنظور كان إمبراطور اليابان على مدار السنوات الثلاثين الماضية قائدا عالميا لا مجرد زعيم وطني. في الثلاثين من أبريل تنازل الإمبراطور الياباني أكيهيتو عن العرش، بعد جلوسه على عرش الأقحوان منذ عام 1989، ففي سن الخامسة والثمانين، يبدو أن أكيهيتو يرغب في حياة التقاعد الهادئ مع الإمبراطورة ميتشيكو، زوجته منذ ستين عاما، وخلفه على العرش الإمبراطوري ابنه الأكبر ولي العهد ناروهيتو. بدأ عهد أكيهيتو بعد وفاة والده هيروهيتو، الذي امتدت حياته لتغطي عقودا من الاضطرابات المحلية والدولية، ورغم أن أكيهيتو ذاته نشأ خلال حقبة الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة التي اتسمت بالاضطرابات، فقد تغيرت اليابان والعالم إلى حد كبير بحلول الوقت الذي أصبح فيه إمبراطورا، ومن المرجح أن يتذكره الناس بوصفه العاهل الذي خلف بصمة إيجابية على الساحة العالمية. يستلزم فهم عهد أكيهيتو وضعه في سياق تاريخي حديث، فمنذ أواخر القرن الثامن عشر تقريبا إلى منتصف القرن العشرين، كان الناس في معظم أنحاء العالم ينتمون إما إلى إمبراطورية، أو على نحو متزايد، إلى دولة مستقلة، وكان عدد الدول ذات السيادة لا يزال قليلا نسبيا في نهاية القرن التاسع عشر، ولكن مع تأكيد المزيد من الناس الذين يعيشون في ظل إمبراطوريات على السيادة القومية، ارتفع عدد الدول المستقلة من نحو 50 دولة إلى أكثر من 200 دولة خلال القرن العشرين، وأصبح الناس من مختلف أنحاء العالم يعرفون أنفسهم بوصفهم مواطنين لدولة ذات سيادة. ولكن في الوقت ذاته، أصبح الناس يعرفون أنفسهم على نحو متزايد أيضا بسماتهم غير الوطنية: الجنسية، أو العِرقية، أو العنصرية، أو الدينية، أو التعليمية، أو العمرية. ونحن جميعا، علاوة على ذلك، كائنات عالمية، وإن لم نكن بعد "مواطنين عالميين"، ونحن نعيش في البيئة الطبيعية، ونتأثر بالمناخ، ونرتبط بالأنهار والمحيطات، وبعبارة أخرى يجري تعريفنا بهوياتنا المتعددة والعالم الذي ورثناه، والإمبراطور الياباني ليس استثناء. ولِد أكيهيتو في أوج طفرة السيادة القومية، وشَفَق الإمبراطورية، وكانت ثلاثينيات القرن العشرين عقدا من الصراع المحتمل والفعلي، حيث دارت المنافسة بين الدول على السلطة والقوة وكانت تسلح نفسها في استعداد لا ينقطع للحرب. كانت اليابان في ذلك الحين، على الرغم من تأخرها في الانضمام إلى مجتمع الدول الحديثة، قوة عظمى، استعانت بالتحالفات والاتفاقيات مع قوى أخرى عملت على صيانة أمن البلاد ومكنتها من اكتساب المزيد من القوة، وبعد ضم كوريا في عام 1910، بدأت اليابان توسعها العسكري في آسيا بعد عقدين من الزمن، وبحلول عام 1941، كانت في حرب مع الولايات المتحدة، ومع انضمام الاتحاد السوفياتي أيضا إلى أعداء اليابان، أصبحت الحرب في منطقة آسيا والمحيط الهادئ جزءا من الصراع العالمي الذي انتهى أخيرا في أغسطس من عام 1945. كان أكيهيتو شابا مراهقا في ذلك الوقت، وكانت حياته على وشك أن تتغير بطريقة درامية غير متوقعة، فلم تطلب سلطات الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة في اليابان بعد الحرب، تحت رئاسة الجنرال دوغلاس ماك آرثر، تنازل الإمبراطور هيروهيتو عن العرش أو محاكمته أمام محكمة دولية، بل كان المطلوب بدلا من ذلك أن يتحول هيروهيتو من شبه إله إلى مجرد إنسان، وأن يصبح دوره في السياسة اليابانية بالتالي احتفاليا رمزيا. استمر حكم هيروهيتو بهذه الصِفة إلى عام 1989، في الوقت ذاته، تلقى ولي العهد الشاب أكيهيتو تعليما أدت فيه الأميركية إليزابيث فينينغ دورا رئيسا، وقد خدمت فينينغ، إحدى أعضاء جمعية الأصدقاء البروتستانتية (كويكرز)، كمعلمة شخصية لولي العهد، فعلمته اللغة الإنكليزية وغير ذلك من المواد. وفي قيامها بهذه المهمة، ساعدت في إعداد أكيهيتو للعالم الذي سيستقبله عندما يصبح إمبراطورا. بحلول أواخر القرن العشرين، كان عالم الدول القومية يفسح المجال لعالَم آخر من الروابط والشواغل غير الوطنية، ولم تعد الدول ذات السيادة التقليدية تحظى بولاء واهتمام الناس في كل مكان، بل كان وجود وتفاعل الدول والأفراد يجري في بيئة عالمية عابرة للحدود الوطنية، وكان العالم يدخل حقبة حيث يجري تقاسم الموارد والمشاكل عبر الحدود الوطنية. كانت هذه الظاهرة واضحة بشكل خاص في الجهود العالمية المبذولة لحماية البيئة ودعم حقوق الإنسان، وفي ما يتصل بهذه القضايا على وجه التحديد بدأ أكيهيتو يؤدي دورا متزايد النشاط والفعالية. في وقت سابق من حكمه، كان أكيهيتو متحفظا سكوتا، كما لو كان يحاول تجنب إعطاء أي انطباع بأنه يسعى إلى إعادة تأكيد السلطة الإمبراطورية، لكنه أصبح هو وزوجته الآن أكثر ظهورا ومصارحة، وقاما بزيارة أجزاء مختلفة من اليابان والعالم للإعراب عن قلقهما بشأن التدهور البيئي وانتهاكات حقوق الإنسان، وشمل ذلك زيارات إمبراطورية قاما بها إلى أوكيناوا والفلبين، اللتين كانتا مسرحين رئيسين للنزاع العسكري خلال الحرب العالمية الثانية. الواقع أن رغبة أكيهيتو في الانخراط في مثل هذه القضايا جعلت منه متحدثا عابرا للحدود الوطنية باسم الإنسانية، ومن هذا المنظور كان إمبراطور اليابان على مدار السنوات الثلاثين الماضية قائدا عالميا لا مجرد زعيم وطني، وهذا ما يميزه عن والده وعن العديد من قادة العالم الحاليين. * أكيرا آيري * أستاذ التاريخ الفخري في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب "تباعد الباسيفيكي: التوسع الياباني والأميركي في الفترة من 1897 إلى 1911". حقوق النشر: «بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»

مشاركة :