يزخر القرآن الكريم بالقصص التى لم تكن مجرد عرض للتسلية وإنما ليزداد المؤمن ثباتًا على الحق وإصرارًا على مواجهة الباطل، من خلال إطلاعه على مواقف الأنبياء والمرسلين وقصصهم. وكان القصص القرآنى له النصيب الأكبر من قبل علماء المسلمين والباحثين والمفكرين، وخلال شهر رمضان المبارك نستعرض سيرة الرسل والأنبياء حتى تكون عبرة ونهجًا وصراطًا مستقيمًا نسير عليه.«قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِى كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا»أعلن إبليس عن عداوته لآدم وذريته، وتعهد بإغوائهم وإضلالهم وصدهم عن سبيل الله، وذلك بعدما أوقع الله عليه لعنته، وطرده من جنته ورحمته، وذلك لتكبره وحقده، وسلط الشيطان جنوده على آدم وذريته. فبعدما أكلا من الشجرة، وعصيا ربهما، أمر الله بهما أن ينزلا فى الأرض ومعهما إبليس، فقد كانت الأرض مسرحًا للعداوة المتأصلة بين الشيطان وآدم وزوجته، ومكان الصراع بين الحق والباطل، والذى استمر على مدار الأجيال والقرون وسيبقى حتى قيام الساعة. وكانت البقعة من الأرض التى هبطوا عليها، والتى كانت بداية الحياة الإنسانية، وظل آدم خائفًا من معصية الله، ومعترفًا بخطيئته حتى مماته، وكان لآدم ابنان، وحدث بينهما خلاف ما، فقربا قربانا إلى الله لحل ذلك الخلاف، وتقبل الله قربان أحدهما، لأنه كان على صواب، ولكنه لم يتقبل قربان أخيه لأنه كان على حطأ، وبدل أن يرتدع الأخ المخطئ ويرجع إلى الحق وينهى هذا الخلاف زاد فى خصومته وحقده على أخيه، وملأ قلبه بالكراهية، والبغض، والحقد، ما جعله يفكر فى التخلص منه بالقتل، حيث توعد أخاه قائلًا لأهلكنك، ولكن أخاه كان مثال الإنسان الهادئ المتزن، ولذلك قابل تهديد أخيه بهدوء، وقال له: إنما يتقبل الله من المتقين، ولذلك تقبل الله قربانى ولم يتقبل قربانك، وإذا ما سولت لك نفسك قتلي، ومددت إلى يدك لتقتلني، فلن أُعاملك بالمثل، ولم أمد إليك يدى لقتلك، وليس المانع عندى خوفى منك، أو عجزى عن قتلك، إنما المانع خوفى من الله رب العالمين، وإذا أنت قتلتني، فإنك تبوء بإثمى وإثمك، وبذلك تكون من أصحاب النار. وعلى الرغم من هذا الكلام اللين الهادئ، والذى كان كفيلا بأن يستَل الحقد والبغض من قلب أخيه ويزيل منه التفكير فى قتله، أو كان يستمع لصوت الحق، ويستجيب للصواب، ولكن كان الحقد والغل يملأ قلبه، فسد أذنيه لأخيه وفتحهما للشيطان واستجاب له واستسلم وانحاز للباطل، وحاد عن الحق، وأطاع نفسه الحاقدة وقتل أخيه، تنفيسًا عن حقده واستجابة لوسوسة الشيطان، وخسر دنياه وآخرته، وهذه أول جريمة قتل تقع على الأرض، ليصبح أول ضحايا البشر بسبب الحقد والكراهية، وأول ثمار الشيطان التى زرعها وحصدها على الأرض. ليقف القاتل حائرًا نادمًا على قتل أخيه، وينظر إلى جسده الملقى على الأرض ولا يعرف كيف يتصرف فيه، ويشعر بالعجز والضعف، حتى يوحى له الله جلَّ شأنه ويبعث له غرابًا من الغربان ليعلمه كيفية التصرف فى جثة أخيه، وعلمه الطير كيف يحفر فى الأرض، بمنقاره ورجله، ليصنع قبرًا ويضع فيه أخيه، وبعد دفنه شعر القاتل بجريمته وندم عليها، ولم يكن ذلك الندم هو التوبة والاستغفار، وإنما كان ندم العجز والخسارة. لتنطوى آخر صفحة من صفحات قصة أبينا آدام وأبنائه، والتى نتعلم منها العداوة المتأصلة بين الإنسان والشيطان، وأن للحياة خطين حتى قيام الساعة، فهناك خط الخير والذى يمثله ابن آدم القتيل، والذى لم يتخل عن الخير والحق وبقى فى رحاب الله، وهناك خط الشر، وهو الذى يمثله ابن آدم القاتل، والذى استسلم للشيطان واستجاب لنزعاته ووسوسته وصار قاتلًا شريرًا مجرمًا، وخاسرًا.
مشاركة :