نحن نقص عليك| محمد «3».. الزواج والبعث

  • 6/3/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يزخر القرآن الكريم بالقصص التى لم تكن مجرد عرض للتسلية وإنما ليزداد المؤمن ثباتًا على الحق وإصرارًا على مواجهة الباطل، من خلال إطلاعه على مواقف الأنبياء والمرسلين وقصصهم. وكان القصص القرآنى له النصيب الأكبر من قبل علماء المسلمين والباحثين والمفكرين، وخلال شهر رمضان المبارك نستعرض سيرة الرسل والأنبياء حتى تكون عبرة ونهجًا وصراطًا مستقيمًا نسير عليه.(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).وفى تلك الفترة رأى عمه أبوطالب أن يجد لابن أخيه عملًا آخر يكون سببًا فى الرزق الأوسع، فبلغه أن خديجة بن خويلد تستأجر رجالًا من قريش فى تجارتها، ومن هنا بدأت المعرفة بين السيدة خديجة وسيدنا محمد، ليبدأ فصلًا جديدًا من حياته حيث تزوج محمد السيدة خديجة بعد أن أصدقها عشرين بكرة، وانتقل إلى بيتها، وعرف الحب معها وهو فى سن الخامسة والعشرين، فلم يكن يعرف نزوات الشباب ولا طيشه، فكان محمد وسيم الطلعة، ذو شعر أسود، مبسوط الجبين فوق حاجبين سابغين منونين متصلين، واسع العينين، وكان أهل كة جميعًا ينظرون إليه نظرة غبطة وإكبار، لكنه لم ينصرف عن الاختلاط بهم وكان متواضعًا وكان كثير الإنصات قليل الكلام، وكان لا يقول إلا حقًّا. وتعاقبت السنون ومحمد يشارك أهل مكة فى حياتهم العامة، ويجد فى السيدة خديجة خير النساء حقًا، وقد أنجبت له من الأبناء القاسم وعبدالله الملقب بالطاهر وبالطيب، ومن البنات زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، أما القاسم وعبدالله فلم يعرف عنهما إلا أنهما ماتا طفلين، وكان موتهما له أثر فى نفس أبويهما، ومرت السنوات على سيدنا محمد وهو راض مطمئن، وكان يترك لنفسه مساحة من التأمل بعيدًا عن عبادة الأصنام، ولم يكن يريد لنفسه أن يكون من طراز الكهان، ولا أراد أن ينصب نفسه حكيمًا على نحو ما كان عليه ورقة بن نوفل، وإنما كان يريد الحق لنفسه، فكان كثير التفكير، طويل التأمل قليل الإفصاح إلى غيره بما يجيش بنفسه من آثار، وكان شغوفا بالوحدة، فكان يذهب إلى غار حراء، طوال شهر رمضان من كل عام يقيم مكتفيًا بالقليل من الزاد، بعيدًا عن ضجة الناس وضوضاء الحياة، فإذا انقضى شهر رمضان عاد إلى خديجة وبه أثر التفكير، ما يجعلها تسأله للاطمئنان عليه، ومرت السنوات وهو على هذه الحال حتى شارف سيدنا محمد سن الأربعين وذهب إلى حراء يتحنث، وقد امتلأت نفسه إيمانًا بما رأى فى رؤاه الصادقة، وفيما هو نائم بالغار يومًا جاءه ملك وفى يده صحيفة فقال له: «اقرأ، فأجاب مأخوذًا: ما أقرأ!، فأحس كأن الملك يخنقه ثم يرسله ويقول له: اقرأ، قال محمد: ما أقرأ! فأحس كأن الملك يخنقه مرة أخرى، ثم يرسله ويقول: اقرأ، قال محمد: وقد خاف أن يخنق مرة أخرى، ماذا أقرأ، قال الملك: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) فقرأها وانصرف الملك عنه وقد نقشت فى قلبه. ولكنه ما لبث أن استيقظ فزعًا وخاف ما قد يكون بالغار، ففر منه فأخذه الروع ورفع رأسه إلى السماء فإذا بالملك فى صورة رجل هو المنادي، وزاد به الفزع وأوقفه الرعب مكانه، وجعل يصرف وجه عمَّا يرى، فإذا هو يراه فى آفاق السماء جميعًا ويتقدم ويتأخر، فلا تنصرف صورة الملك الجميل من أمامه، فلما انصرفت صورة الملك رجع محمد إلى خديجة وهو يقول زملوني، فزملته وهو يرتعد كأن به الحمي، فلما ذهب عنه الروع نظر إلى زوجه نظرة المستنجد وقال: يا خديجة مالى!. وحدثها بالذى رأي، وأفضى إليها بمخاوفه، وقالت له: أبشر يا بن عم واثبت، فوالذى نفس خديحة بيده، إنى لأرجو أن تكون نبى هذه الأمة، ووالله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، واطمأن روع محمد وألقى على خديحة نظرة شكر، ثم أحس جسمه متعبًا وأنه فى حاجة للنوم، ليستقيظ بعدها لحياة روحية قوية غاية القوة، حياة تأخذ بالأبصار والألباب.

مشاركة :