لم تكن نشأته المتواضعة فى قرية الروضة الواقعة بنطاق مركز ملوى بمحافظة المنيا، تنبئ أن ذلك الفتى سيصير واحدًا من أعلام الفنون الصوفية فى النصف الثانى من القرن العشرين، ثم الألفية الثالثة فيما بعد، خاصة أنه ولد فى عام 1967 الذى شهد أقسى هزيمة عسكرية فى تاريخ مصر، وكانت البلاد وقتها فى حالة ارتباك. فى العاشرة من عمره بدأ الطفل عامر الانتباه إلى الإنشاد وسط جو عائلى وريفى مليء بعشق آل البيت والمناسبات الدينية. كان الفتى يرقب المداحين الذين يُنشدون الأشعار الصوفية على آلات إيقاعية بسيطة مُنبهرًا، بينما ذهنه يصنع الأحلام بأن يُصبح واحدًا منهم.يقول التونى كانت التربية الريفية والآلات الموسيقية التى تعزف فى المناسبات الدينية هناك وراء حبى للصوفية. دومًا أسهل الفنون التى تصل للناس هى ذات الأصل القديم، ويُضيف «أبرز مثال فى الثقافة الشعبية هو شاعر الربابة الذى يجول بها مُتغنيًا بكلمات بسيطة، حتى الآن هناك من يعشقونه وينتظرون مروره فى الأرياف أو المناطق الشعبية».كبر التونى وصار مُعلّمًا للغة العربية فى نهاية حقبة الثمانينيات التى ارتحل خلالها أغلب المصريين بحثًا عن الرزق، وبينما كانت الأغلبية تتجه للسفر إلى دول النفط كانت أنظاره تتجه شمالًا، عندها، فى العام ١٩٩٢، كانت اليونان هى أسهل الدول التى يُمكن السفر إليها، هناك عمل مُصححًا للغة العربية، لكن الحال لم يستمر كثيرًا، فصار دائم التنقل فى أوروبا ما قبل الـ«شنجن»، فعاش فى هولندا وألمانيا وفرنسا، لكنه كان قد أتقن ذلك الفن الذى سيُخلّد اسمه فيما بعد.رغم تعدد أنماط الفن الصوفى، لكن تتعدد الآلات التى تقوم عليها الرقصات، وفق التونى «فهناك من يستعمل الدفوف فقط، وهناك من يستعين إلى جوارها بآلات أخرى، وتستخدم المولوية كل أنواع الموسيقي، وما يميزنا ويقربنا من الجمهور هو الحالة الروحية التى تُعطيها الرقصات إلى الجمهور.يتحدث التونى عن فن المولوية فيقول «الفراعنة عرفوا حركات الجسد التى جسّدوها على جدران معابدهم، مثل الرقص الجنائزى والرياضي، وهو ما ذكرته إيرينا لكسوفا فى كتابها «الرقص المصرى القديم» الذى نقله إلى العربية محمد جمال الدين مختار». فى منتصف التسعينيات كان التونى قد بدأ فى إنشاء فرقته الخاصة التى يقول عنها «أردت تكوين مولوية مصرية لعمل جدلية مع مولوية جلال الدين الرومي»، لم يكن يعنى بهذا أن يدخل فى مواجهة مع مذهب الرومى الذى وصفه بأنه «أستاذ وسيد من السادات»، على حد قوله، وفسّر ذلك «أردت تقديم شيء مختلف وجديد، هكذا قضيت وقتًا فى البحث عن فنانين وراقصين لأدربهم على الرقص والفن الصوفى».مع عودته إلى مصر، تنقل التونى برقصاته الفريدة بين العديد من الأماكن التى منحته جمهورًا واسعًا، ربما أشهرها فى الوقت الحالى دار الأوبرا بالقاهرة ومسرح مكتبة الإسكندرية؛ وتنقل كذلك بين العديد من المسارح العالمية، فمن القصر الرئاسى بالهند إلى ساحة الملك محمد الخامس بالمغرب -والتى زارها أكثر من مرة- وأسوار مدينة القيروان التاريخية فى تونس، التى أدخلته فى ساحة الأرقام القياسية، حيث بلغ جمهوره ٦٠٠ ألف مشاهد فى يوم واحد، وكذلك كاتدرائية الدومنيكان فى دام سكوير بالعاصمة الهولندية أمستردام؛ أنشد كذلك فى العديد من البلدان منها الجزائر، واليابان، وسنغافورة، وتايلاند، وإندونيسيا، وفيتنام، والصين، وماليزيا، والكويت، وكردستان العراق، ولبنان، وسوريا، وإسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وبلجيكا، ولوكسمبورج، والدنمارك، والولايات المتحدة؛ ذلك النجاح الهائل الذى حققه التوني، والذى بدا أنه يُغرّد خارج السرب دفعه إلى التعاون مع خوليو ماريان وهو أحد أساتذة الكونسرفاتوار فى بورجيس فى شمال فرنسا، والذى فتح آفاقًا أخرى أمامه.للتونى طقوس خاصة فى حفلاته، أو كما يقول «أينما ذهبت دائمًا أضع قواعدى على أرض بلادهم»، فقد اعتاد وفرقته قبل أى حفل أن يقوموا جميعًا بقراءة الفاتحة والصلاة على النبى -صلى الله عليه وسلم- وارتداء اللون الأبيض»، وذلك، حسب تأكيده، للدلالة على ملابس الإحرام؛ تبرز فى ذلك فلسفته الخاصة التى يؤكدها بعدم ارتداء أحذية أو أى شيء فى القدم «هى صورة رمزية على تجرد الإنسان أثناء الموت، فالأرض تحت القدم مباشرة، والسماء بالأعلى».مع استخدامه الشعر والأغانى التراثية القديمة، يقوم التونى بتطوير أسلوبه ليبقى على القمة وفى الوقت نفسه لمواكبة تطلعات جمهوره، يقول «لا يجب أن نلتزم بالقديم فقط، بل نقتبس منه ونضيف عليه، ونطور الألحان بشكل مستمر، لا أقلد أحدا ولا أحد يشبهني، ولا أقبل أن أغنى لأحد أو يقوم بالتلحين لي، فأنا أؤلف ألحانى وأقوم بجميع أعمالى وحدي»؛ مع هذا ينتابه الإشفاق على المقلدين فى الإنشاد، كما يقول «هناك زحام بالآلات يشكل خطرًا على الإنشاد. لا مانع من استخدام الآلات الحديثة، ولكن يجب توظيفها بشكل جيد ومتناغم حتى لا نُفسد القيمة الروحية للغناء المولوي، لكن لا يجوز استخدامها لمجرد أنها حديثة فقط».
مشاركة :