بدأ أهالى قريته يدعونه إلى مناسباتهم ليقرأ لهم ما تيسر من القرآن الكريم، وجاء ذلك لمساعدته على إعالة أسرته، بعد أن شاءت الأقدار أن يتحول إلى يتيم الأب وهو لم يتجاوز الخامسة من عمره، وعند بلوغه الحادى عشر من عمره تحول إلى عائلًا لأسرته المكونة من والدته وشقيقتين، ما صعب عليه هذا الحمل فى استكمال دراسته، ويلقبه أهل قريته محلة مرحوم، بالغربية، الشيخ الصغير، غير أن هذا الطفل أبى إلا أن يكون أحد أعلام قريته بل إنه تجاوز حدودها فأصبح أحد أعلام المحافظة، وهو فى سن صغيرة، فقرأ مع كبار القراء أمثال الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ محمود على البنا، إلا أن طموحه أكبر من ذلك فأراد لنفسه أن يكون متفردًا بفن آخر يتميز به عن غيره وهو الإنشاد الدينى، حتى برع فيه، التقينا الشيخ القارئ عبدالرحيم دويدار من ضمن سلسلة «أهل المدد»، لنتعرف على رحلته مع الابتهالات والقرآن.يعرف العديد عنك بأنك لم تكمل تعليمك، وأنك اتجهت فى سن مبكرة لقراءة القرآن ثم الابتهال فكانت فترة صعبة تحدث دويدار، قائلًا: كنت فى العاشرة والنصف من عمرى عام ١٩٤٩، وفقدت حينها شقيقى الأكبر الذى كان يعولنا، وقد سبقه أبى بـ٥ سنوات وكان أيضًا من علماء القراءات وقارئًا للقرآن الكريم، وكنت حصلت على الشهادة الأولية الراقية، فكان الفضل كله إلى أهل بلدتى الذين وقفوا إلى جانبى، وأطلقوا علىّ لقب شيخ مما أهلنى ذلك للحصول على الأموال لكى أنفق على أسرتى كما أن قراء البلدة تسابقوا لتحفيظى القرآن الكريم، وحفظته كاملًا تلاوة وتجويدًا فى عام واحد فقط، وقرأت مع مشاهير القراء فى هذا العصر، واتجهت لتثقيف نفسى من خلال اقتناء القراءة حتى أصبحت أقتنى مكتبة كبرى فى منزلى، ومن خلال ذلك أقتبس من القصص الدينى مثلًا أشعارًا أنظمها وألحنها بنفسى.«مدد يا مولانا ياحسين.. مدد يا أبوزين العابدين مدد مدد» انطلاقًا من تلك الكلمات التى ترددها دوما فهناك من يكفر من يطلب المدد غير من الله، فيقول «دويدار»، لا يعلوا كلام بعد الله فيقول سبحانه وتعالى «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا»، فتفسير الآية هنا أن الله يرشد المذنبين بأن يأتوا رسول الله فيستغروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، وبالنسبة لآل البيت، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: حُسَيْنٌ مِنِّى وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، ونسب آل البيت موصول بالرسول، فكيف نحرم ما حلله الله.اجتمع المنشدون حول حبهم للشعر وترك أثره فى قلوبهم فلدويدار مؤثر من الشعراء فأكد ذلك، قائلًا: أقرأ لكل الشعراء فلكل منهم طابع ومدرسة وعلم وهوية مختلفة غير أننى أتأثر أكثر بأحمد شوقى، وفى اختيارى للابتهالات اختارها بلسان وعقل الشعراء.كان تركك لتلاوة القرآن والاتجاه للإنشاد والابتهالات سببًا يرويه «دويدار»، بأنه اتجه للانشاد بسبب واحد، وهو أنه كان لديه طموح بأن يكون مختلفا عن غيره ومميزًا، يقول كانت البلد بها قُرّاء قرآن كريم متعددين، وأنا كنت بدأت أتساوى بهم، فانشققت عنهم واتجهت للإنشاد الدينى، متجهًا للعمل كبطانة مع منشدين ومبتهلين كبار، ومن هنا تعلمت المقامات، وكل ذلك دون دراسة ولا علم فقط حبًا فى الإنشاد. كنت معتمدًا لدى الإذاعة كمبتهل فعشت تجربة مختلفة فيتحدث بقلبه قائلًا: بعد جلسة استمرت ساعات، مع الإعلامى طاهر أبوزيد طلب منى أن أظهر معه فى حلقتين شهريًا، ببرنامج جرب حظك، فى ١٩٦٥، من خلاله قدمت نفسى فى صورة نشيد فقلت: «مداح جمال طه المختار.. عبدالرحيم دويدار.. بقول كلام كله معانى.. بلدى اسمها محلة مرحوم»، وضحك طاهر أبوزيد، قائلًا: «الشيخ عبدالرحيم بيستغل البرنامج بس دمه خفيف»، بعدها انهالت علىّ الدعوات إلى أن جاء عام ١٩٨٢، حيث تم اعتمادى مبتهلًا بإذاعة وسط الدلتا.لا يشترط أن يكون المبتهل حافظًا للقرآن الكريم فيرد قائلًا: من الواجب أن يكون المبتهل حافظًا للقرآن الكريم وذلك يفيده جدًا فى مخارج الحروف واتقان الكلمات والقراءة الصحيحة أيضًا ولو حتى جزءًا بسيطًا، لكن للأسف أغلب المبتهلين الآن لا يحفظون القرآن الكريم.فرق الإنشاد السورية يسحبون البساط من تحت أقدام المصريين تترد كثيرا تلك الكلمات ولكن دويدار يأتى ليضعنا على خريطة طريق أخرى قائلًا: السوريون لهم فن أصيل، ونحن نحتاج سماع فنهم، فمن المفترض الحفاظ على فنهم وتراثهم بدلًا من الإقبال على تقديم الفن المصرى، ولا أتصور أنهم يسحبون البساط من تحت أقدام المصريين فكيف ذلك وهم يعيشون بفن وكلمات وألحان المصريين.يترك «دويدار» رسالة للمنشدين والمبتهلين المصريين، قائلًا: أين إبداعاتكم فى فن الإنشاد ما يكفيكم نقل الموروث وأن تتجهوا إلى وضع فن حديث، فالمبتهل فنان بطبيعته، فالفنان يجب أن يبدع، فيجب على المبتهل أو المنشد أن يتميز بالإبداع، ورسالتى فى الإنشاد الدينى للمنشدين الجدد على الساحة بأن يقدموا فنًا ذا رسالة، بمعنى أن يخرج المستمع من الجلسة بمعلومة دينية يستفيد منها ومن الناحية الأخرى نواجه الإرهاب والتطرف الفكرى، مثل مثلًا سرد قصص قرآنية، فأنا منذ بدأت الإنشاد والابتهال وطموحى لم يتوقف عند أى حد، فقد سافرت دولًا كثيرة، لكن طموحى الآن هو أن يختم الله حياتى وأنا حافظ وقارئ لقرآنه، وأنا الآن أعكف على القرآن الكريم، وأختمه كل ١٠ أيام.
مشاركة :