رأي «الراي» / استجواب... فلفل

  • 5/7/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في جلسة استجواب عُقدت في البرلمان البريطاني في 17 أكتوبر الماضي، توزّع عدد من النواب المنتمين إلى مختلف الأحزاب المهمة وبدأوا يمطرون الماثل أمامهم بمختلف أنواع الأسئلة وكلها تتمحور حول قضيتين: مستقبل الثورة الصناعية الرابعة، وتضرّر أو انكفاء العنصر البشري... من فنّد الاستجواب لم يكن وزيراً. كان رجلاً آلياً (روبوت)، طوّرته جامعة ميدلسكس البريطانية وأعطته اسم Pepper (فلفل)، ودخل الحدث بوابة التاريخ البرلماني من أوسع أبوابه بكل المعاني خصوصاً عندما أقرّت رئيسة اللجنة البرلمانية التي شُكلت لجلسة الاستجواب لوسي باول بأن «ردود فلفل على تساؤلاتنا كانت أفضل بكثير من الردود التي سمعناها من الوزراء».نعود إلى الكويت. إلى بعض الوزراء والمسؤولين الذين يتحدثون مثل رجل آلي غير مطور، يعيد ويكرّر ما جاء به أسلافه وكأننا أمام بشر مزروعة في داخلهم برامج إلكترونية بيروقراطية متمسّكة بالأعراف البالية التي ما زالت سائدة... وفيها أنظمة مقاومة للتجديد والتقدم والمبادرة والإبداع.نتحدث اليوم عن الاستجوابات، ونسأل كل كويتي وكويتية إذا كانوا يرون في الآلية المتّبعة حالياً غير هذه العناصر:بعض الاستجوابات عبارة عن تصفية حساب بين نائب أو مجموعة نواب ووزير لا يعرف من مفهوم التعاون غير حجم المعاملات التي «يمشّيها». فإن تقلص هذا الحجم لسبب أو لآخر (واقعي وقانوني) وقف على المنصة بحجّة أي قضية عامة تتعلق بوزارته... وما أكثر القضايا.وبعض الاستجوابات عبارة عن تصفية حسابات بين أقطاب سياسيين يتصارعون على السلطة، فيعمد هذا القطب إلى الطلب من نواب موالين له استجواب وزير محسوب على قطب آخر أو وزير يعتبر أنه «باعه» يوم اشتدّت المِحن. يطير الوزير بصوت عالٍ من الحناجر الصادحة بالإصلاح والتغيير ويأتي وزير آخر مرضي عنه، فينسى النواب القضايا التي «طيرت» من قبله ويتذكرون الوزير السابق دائماً من باب تهديد وزراء آخرين: «ترى انتو مو أقوى من فلان».وبعض الاستجوابات – حسب كلام النواب أنفسهم – تكون من وزير ضد وزير. فينبري هذا وذاك للتصدي مزوّداً بذخيرة مخالفات مسرّبة له من وزير ضد «زميله».وبعض الاستجوابات – والكلام للنواب أنفسهم – تفوح منها رائحة صراعات تجارية – تجارية أو تجارية – سياسية.وبعض الاستجوابات هدفها شعبوي انتخابي يتحضّر لها البعض بأسلحة لغوية تستثير الغرائز الطائفية والقبلية والمناطقية بغية ترجمتها «فزعة» في صناديق الاقتراع. كما أن التحالفات قبل الاستجواب وخلاله وبعده تتشكّل حول هذه الغرائز، فإن اشتركت فيها تيارات أخرى فعلى قاعدة «قف معي اليوم أقف معك غداً»... وعودة إلى بعض التصريحات النيابية في هذا المجال تغنينا عن كتابة مجلدات. وغالبية الاستجوابات تحوّلت من استخدام وسيلة محاسبة راقية إلى تصفية حسابات. انتقلت من الرقابة إلى تصفية حسابات. حوّلت السؤال المغلّظ إلى استجواب لتصفية حسابات... والقاسم المشترك بينها أنها أتت مليئة بالاستعراضات زاخرة بالصراخ حافلة بالتهديدات ممزّقة للحناجر.هل جافينا الحقيقة؟ ليسأل كل متابع نفسه عن عناصر أخرى لم نرصدها فربما نسينا شيئاً. وكي نكون مُنصفين، حصلت استثناءات قليلة في الأعوام السابقة كانت فيها استجوابات راقية فعلاً بين نواب ووزراء عمادها الرقابة والمحاسبة وهدفت إلى إصلاح خللٍ... لكنها ذهبت طيّ النسيان كونها لم تدخل في موسوعة «غينيس» للاستعراضات.الموضوعية تقتضي ألّا نقف عند حدود الرصد والنقد، نقترح – وهذه مهمة الخبراء الدستوريين والقانونيين داخل مجلس الأمة وخارجه – إيجاد صيغة تسمح بتغيير آلية الاستجواب بما يطورها لتحقيق الغاية منها، أي الاتجاه فعلاً إلى الرقابة والمحاسبة وتفعيل الإدارة ووقف الهدر والفساد، مستفيدين مما يحصل في بعض برلمانات العالم المتقدم. هناك أداة رقابة لوقف خلل في قطاع ما، فما هو الرابط مثلاً بين معالجة هذا الخلل قانونياً وإدارياً وبالأرقام وبين صراخ النائب خلال الاستجواب بأنه من «قبيلة لا تخفض رأسها» أو من «طائفة لا تستكين» أو من «منطقة لا تقبل الافتئات على تاريخها»؟لذلك، فلتكن هناك صيغة لا تتعارض لا مع الدستور ولا مع الحريات ولا مع المكتسبات الشعبية، تطوّر مفهوم الاستجواب لتحقيق الغاية منه. مِثل أن يتم أي استجواب في اللجنة البرلمانية المختصة كما يحصل بشكل يومي في البرلمانات المتقدمة. إذا كان الموضوع يتعلّق بالصحة فمكانه اللجنة الصحية أو بالتعليم فمكانه اللجنة التعليمية... وهكذا مع مختلف الوزارات. يَمثل الوزير ومستجوبوه أمام اللجنة بلا استعراضات وحناجر صادحة واستحضار الغرائز على أنواعها. يمثل ومعه ملف بكل قضية مزوّد بالأرقام والعثرات والحلول، ومع مستجوبيه ملفات مماثلة. يحصل نقاش يكشف كل شاردة وواردة، وبعد ذلك تُعدُّ اللجنة تقريراً علمياً مفصّلاً ترفعه إلى رئاسة المجلس تُبدي فيه رأيها بكل صدقٍ وشفافية، فإن رأت أن الجلسة كافية لبداية الإصلاح والتغيير تعلن ذلك وإن رأت أن إجابات الوزير ضعيفة وهو غير قادر على الإصلاح أو لا يريد (مع شرح المسببات طبعاً) تطلب جلسة عامة لمناقشة الاستجواب.ورُبّ قائلٍ إن الحكومة في اللجان البرلمانية يسهل عليها تكوين «أصدقاء» أكثر من «أصدقاء» الجلسة العامة سواء بالدعم أو التسهيلات أو غيرها، الأمر الذي يسهّل عليها إحباط أي استجواب. الجواب على ذلك في غاية السهولة: إذا أوصل الناخب الممثل الأمين إلى البرلمان فلا مشكلة لا في الجلسات العامة ولا الخاصة، وإن أوصل مَن يمكن أن «تشتريه» الحكومة فهذا «القبيض» سيكون في جيب الحكومة في اللجان وفي الجلسات العامة.نكرّر، هو اقتراح لا علاقة له بالانتقاص من «المكاسب الشعبية» التي أصبحت عند بعض النواب «مكاسب شعبوية»، وهو اقتراح برسم الخبراء الدستوريين والقانونيين لدراسته. لن نصل إلى مرحلة بحث مستقبل الثورة الصناعية الرابعة وتأثيرها على مكانة العنصر البشري، ولا نحلم باستجواب روبوت يحلّل ويشخّص ويضع الحلول كما حصل في البرلمان البريطاني، لكننا لا نريد أن نستفيد من هذه التجارب التاريخية البرلمانية العالمية بشكل خاطئ فيبقى لهم الإنجاز ويبقى لنا الاسم... «فلفل». «الراي»

مشاركة :