رأي «الراي» / استجواب غدير ... احترموا عقول الناس

  • 1/21/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كائنة ما كانت مبرّرات النائب عادل الدمخي لاستجوابه الوزيرة غدير أسيري المفترض أن يناقش اليوم، إلا أن أيّاً منها يفتقد إلى المصداقية في الشكل والمضمون. لسنا في وارد الدفاع عن الوزيرة لكننا دائماً في وارد الدعوة لاحترام عقول الناس، في وارد البحث عن خلفيات الأمور وأسبابها، ودائماً مع المطالبة بممارسة ديموقراطية دستورية تخرج من الأطر الشخصية والشعبية والطائفية والقبلية والمناطقية والانتخابية إلى الشأن العام وتطوير الدولة ومؤسساتها والنهوض بالوعي المجتمعي.من هنا نورد النقاط التالية في ما يتعلق باستجواب الدمخي:قبل أن تقسم الوزيرة أسيري، وبمجرد أن ورد اسمها في التشكيلة الحكومية واسم الحقيبة التي تولّت إدارتها، انطلقت الدعوات إلى استجوابها، ونبشت لها آراء قبل سنوات طويلة في عملية «تصيّد» لا تخفى على أحد. أوضحت الوزيرة أنها عضو في الحكومة اليوم وأنها تلتزم ثوابت السياسة الكويتية الخارجية خصوصاً ما يتعلق منها بالأشقاء في مجلس التعاون الخليجي.لم ينتظر هؤلاء أداء الوزيرة ولا كفاءتها ولا توقّفوا عند تاريخها العلمي وخططها التطويرية للقطاع الذي ستتولّى إدارته، بل انتظروا رأياً منها تجاه الحملة عليها وهو رأي يخرج من النواب أنفسهم، بل يخرج ما هو أقسى منه وينحو أحياناً إلى تهديد الوحدة الوطنية... ومع ذلك تركوا كل شيء وجعلوا هذا الرأي مادة استجواب أساسية. المفارقة التي تقترب كثيراً من الاستخفاف بعقول الناس أن النائب الذي قدّم الاستجواب هو رأس حربة في الدفع باتجاه إقرار قانون العفو الشامل المبني، حسب وجهة نظره، على ما يعتبره أحكاماً نهائية عوقب أصحابها لجرائم رأي أو قضايا رأي، ناهيك عن قضايا أخرى مثل اقتحام المجلس ومواجهة القوى الأمنية وخلافه. أنت تريد قانوناً لعفو عام عن قضايا اعتبرتها (أنت ومن معك) في صلب حرية الرأي فكيف تستجوب وزيرة على رأي؟ هل هو ازدواج معايير؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها ؟ وإذا كان الرأي مادة محاسبة فماذا يقول عادل الدمخي نفسه عن آرائه هو المعاكسة تماماً للموقف الكويتي الداعم للأشقاء سواء في مصر أو دول الخليج؟ ماذا يقول عن آراء حالية وسابقة لنواب حلفاء له اعتبرت إساءات لدول شقيقة وصديقة؟ أيضاً ازدواجية المعايير لا تملك الإجابات.وإلى النواب الذين ينشر الدمخي ليل نهار في أوساطه أنهم سيوقّعون على طلب طرح الثقة، من المؤكد أنكم تعرفون أن حكم المحكمة الدستورية برقم 8 لسنة 2004 والخاص بطلب تفسير المادتين 100 و101 من الدستور، في 9 أكتوبر 2006، شدّد على أن الاستجواب يجب أن يكون موضوعه واضحاً، وعن الأمور الداخلة في اختصاصه، وعن أعمال وزارته والإشراف على شؤونها وقيامه بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها ورسم اتجاهات الوزارة... فهل جاءت صحيفة الاستجواب بتحديد واضح لوقائعه أو بيان لأسانيده؟ طبعاً لا، وبالتالي لا يمكن الردّ موضوعياً عليها.وللنواب الشباب تحديداً المسلحين برغبات التطوير والإصلاح والتغيير، أنتم تعرفون أن الاستجواب بني على مادة شكليّة تتعلق بإبداء رأي، فهل - وأنتم المؤتمنون من قواعدكم على احترام الدستور والديموقراطية - مستعدون للمشاركة في أمر مخالف لما اؤتمنتم عليه؟ ألم يوقّع بعضكم أو غالبيّتكم على وثيقة العفو العام دفاعاً عما اعتبرتموه حرية رأي؟ إذا كانت هناك أسباب أخرى تملي عليكم «مسايرة» مقدم الاستجواب أو من يدعمه، فالأولى أن تحترموا رغبات ناخبيكم في دوائركم خصوصاً أن زمناً قصيراً يفصلنا عن الانتخابات.وإلى الحكومة العتيدة، هل التزامكم نهجاً جديداً في العلاقة بين السلطتين يعني القبول بتجاوز الدستور؟ هذا الاستجواب تحديداً، فيه شبهات واضحة نجزم بأن حتى مقدمه يدركها، هو استجواب بني على فرضية «حديثة» عبارة عن رأي في تصريح، لكن كل ما ورد فيه تقريباً يحاسب الوزيرة على مواقف سابقة لها (غالبيتها غير مثبّتة) قبل تولّيها منصبها... اللهم إلا إذا كانت هناك أيضاً صفقات لا نعلم بها تقتضي التضحية بالبعض. نتمنى عكس ذلك لأنه - إذا حصل - فسيكون مؤشّراً خطيراً، وستجد الحكومة نفسها أمام صفقات جديدة تتساقط معها ثوابت ومبادئ كحجارة الدومينو. ولكم في الحملات التي أطلّت برأسها على وزيرة المال خير دليل.مرة أخرى، لا ندافع عن الوزيرة أسيري، بل نريدها أن تعمل وأن تحاسب على عملها، وإن أخطأت فالسلطة الرابعة ستكون أول من يسلّط الضوء على الخطأ وأوّل من يدعو إلى المحاسبة. أمّا ما يجري اليوم من محاسبة على رأي، فهو أمر ليس سابقة فحسب في تاريخ الحياة البرلمانية بل هو نقطة سوداء ستؤسّس لما هو أعظم.مهما سيكون عليه مسار الأحداث اليوم فلا نملك إلا الاستشهاد بالآية الكريمة:«يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدِلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إِن اللَّهَ خبير بِمَا تعملون»... صدق الله العظيم. «الراي»

مشاركة :