توتر لغة التخاطب الدبلوماسي بين السياسيين والعسكريين في طريقة إدارة الأزمات بين الدول، التي كثرت هذه الأيام بسبب اختلاف المصالح وأحياناً التصعيد في تلك أو استخدام منحى تصاعدي من دون أن يعمل أحد الطرفين على التهدئة والتخفيف من حدة لغة التخاطب، قد يؤدي في لحظة ما إلى فقدان السيطرة على إشعال فتيل المواجهة العسكرية ليس فقط بين طرفي النزاع، وإنما قد يمتد ويتسبب بدخول أطراف آخرين كانوا أو ما كانوا أصدقاء أو على الحياد، ولكن تهور أسلوب إدارة الأزمة يجعلهم يقفون في طرف الضد. وغالباً ما يكون أحد طرفي النزاع مفتعلاً له ويعمل على تحقيق مصالحه بتهور - وكان النظام الإيراني يعمل بهذه الاستراتيجية إلى فترة قريبة مع الدول الخليجية - وفي هذه الحالة يكون الرهان دائماً على طرف أكثر عقلانية ونضجاً في الوعي السياسي فلو افترضنا في وقتنا الحاضر أن الرئيس دونالد ترامب ظاهرة سياسية تقلق دول العالم، فإن مواجهته لا تكون بخطأ أكبر وأسوأ كما يفعل النظام الإيراني حالياً ويعد أن التحدي وتصعيد الخطاب السياسي هو الحل. تهديدات النظام الإيراني بتعليق تنفيذ تعهدات الاتفاق النووي في حال لم تتوصل الدول الأخرى، التي أصبحت (4+1) بعد خروج الولايات المتحدة منه، إلى حل خلال ستين يوماً لتخفيف آثار العقوبات الأمريكية لا تعبر عن الحنكة السياسية ولا عن الخبرة الدبلوماسية التي يفترض أن يكون عليها النظام الإيراني بل تؤكد عدم الوصول إلى «النضج السياسي» أو الدهاء السياسي واحترام اتفاقياتها بالطريقة التي قد تضع الطرف الآخر في حرج أمام الرأي العام العالمي. أو ما يعرف بـ«شعرة معاوية» التي توضح كيف تبقيها مستمرة مع الآخرين حتى في الأزمات من دون أن تنقطع. مسألة التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران تتكرر في منطقتنا منذ 1979 وهي تصعد وتهبط وفق عاملين اثنين، العامل الأول: اتفاق على مصلحة ما ولو ضمنياً بين البلدين كما حدث في الحملة على نظام طالبان في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق، وفي حالتنا ينبغي ألا تحدث مفاجأة لأن كل شيء قابل للحصول وخاصة بعد أن ترك ترامب رقم هاتفه لدى سفارة سويسرا التي ترعى مصالح طهران في واشنطن. العامل الثاني: وجود طرف ثالث بينهما يتوسط من أجل تقريب وجهات النظر وعادة ما ترغب الدول المختلفة في وجود هذا «العراب»، أشهر تلك الوساطات التي قامت بها سلطنة عُمان واستطاعت أن تنجح في توقيع الاتفاقية النووية بين البلدين عام 2015. قد يحدث، ما سبق، مع أن الوضع هذه المرة كما يبدو للجميع أنه مختلف، فقد شهدت تغيرات جذرية كثيرة نتيجة لوجود إدارة أمريكية جديدة، وأن إيران تقوم بمشاغبة سياسية في مضيق هرمز تعد سابقة بعد حادثة الاعتداء على السفن الراسية بالقرب من ميناء الفجيرة بدولة الإمارات، يمارس فيها ما يعرف بدبلوماسية «حافة الهاوية» التي نجحت مع الإدارات السابقة لكن الشيء الذي ينبغي على النظام الإيراني هو ألا يزيد في خسارة الأصدقاء من خلال تهديداته للأوروبيين أو الهجوم على سفن مدنية في المياه الدولية لأن هذا يعني قطع «شعرة معاوية» وقلة الحكمة. موضوع الخلاف الأمريكي - الإيراني مثله مثل أي أزمة سياسية تحدث في العالم تلعب فيه لغة الدبلوماسيين دوراً في تضخيمها أو التقليل منها وربما إخمادها وإذا كنا قد اعتدنا في السابق عقلانية الإدارة الأمريكية في الحفاظ على عدم تعدي «حافة الهاوية» فإن هذه المرة سيكون العتب على النظام الإيراني إن هو استمر في غطرسته وتعجرفه في التعامل مع سياسي مثل ترامب لأن الفرصة ما زالت أمامه لإبداء حسن النية للأوروبيين الذين ساندوه فترات ولجيرانه الخليجيين والعرب الذين تحملوا غطرسته فترات طويلة. المشهد الحالي للنظام الإيراني لا يوحي بإدراكه التغيرات الحاصلة في الإدارة الأمريكية وإنما الغطرسة الفارسية أعمته عن رؤية من يقف معه فيمعن في خسارتهم. طباعةEmailÙيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :