في الأدبيات العربية أصبحت شعرة معاوية كنايةً عن الشد والجذب بين الحاكم والمحكوم ووصفاً لنموذج العلاقة بينهما. الرمز والجوهر في المقولة جوهري في ناظور العرب السياسي، فالعلاقة موضوعياً دائماً محلٌ للتجاذب وليس تعاوناً في أغلب حالاتها. أصبح قيام الدولة العربية وهدمها يسيران طبقاً لهذه الجدلية؛ فسرعان ما تقوم الدولة إلا وتبدأ عملية الهدم. التجاذب مصدرٌ مستمرٌ لاستنزاف الطاقة وتركيز أنماط العلاقات المجتمعية على السياسة على حساب الأنماط الأخرى من ثقافية إلى اقتصادية. إذ لا يمكن أن تعيش الأمة على وقع التجاذبات السياسية وحدها. حتى انضباطية الإسلام لم تستطع في الآخر تغيير البنية الفكرية التحتية، بل لعلها فلسفياً وكلما أبعدنا في سلم الزمن عن تلك الانضباطية الملحمية تبدأ تركتها تكون جزءاً من العبء والضغط في توظيف منظار خلفي بينما المطلوب منظار أمامي. شعرة معاوية أصبحت عميقة في الوجدان والممارسة العربية؛ فهي ركيزة لتنظيم عملية الأخذ والعطاء؛ وهي أيضاً معيارٌ للتوازنات الضرورية في الحياة السياسية. الإشكالية أن العالم الحديث يعيش ويتطور طبقاً لنماذج أخرى. يقول أحد المثقفين اللبنانيين: إن العرب أمة ذات نزعة مناوشات، وليس ذات نزعة للحرب، الحرب تتطلب جهداً متواصلاً وتعبئة بطبيعتها تعاونية وطويلة الأجل، وهذا ليس في تناغم مع مَن اعتاد الرقص على وتر شعرة معاوية. التجاذب بطبعه يقبل، بل يشجع على التطرّف والرهان والمقامرة بالمصير المدني. لعل أهم تعرية لشعرة معاوية أنها ليست تعبيراً عن نموذج مؤسساتي، إذ هي علاقة بين مجموعة صغيرة والبقية، وبالتالي تقود منطقياً إلى المقامرة بقطع الشعرة في أقرب فرصة بغرض هدم الهيكل "لعلنا هنا نختار حالة بين الدولة والحكومة"، واغتصاب السلطة، كما ذكر ابن خلدون. ثقافة شعرة معاوية سياسية بامتياز، ولذلك تركت إفرازات قاتلة، منها أنها لا تتناسب مع البناء الرأسمالي، وبالتالي تتنافى مع التنمية الاقتصادية طويلة الأجل التي لا تختلف كثيراً عن متطلبات الحرب، وليس متطلبات المناوشات التي تدخل في دائرة الصفقات التجارية النفعية السريعة. أحد الإفرازات الخطرة أيضاً أن نموذج شعرة معاوية يؤصل ثقافة ما يسمّى معادلة المجموع صفر "أي أن هناك دائماً خسائر ومنتصر في كل تعامل وليس ثقافة تعاونية الكل فيها منتصر". لعل الاستحقاق الرئيس أنه من الخطأ أن نقطع الشعرة دون الإجماع على بديل مؤسساتي. فقطع الشعرة دعوة إلى إعادة الكرة إلى المربع الأول بما تحمل من خسائر أخلاقية ومادية، ولكنها أيضاً تأصيل للنموذج الذي لم يخدمنا منذ أكثر من 13 قرناً. لا يأتي الحل بإسقاط مثالي، ولكن من خلال الشجاعة في الطرح والتجارب من خلال منهج علمي وتحصين طرفَي الشعرة؛ لأن الشعرة أصبحت بالية وخطراً على الجميع وحان وقت برمها قبل أن تنقطع.
مشاركة :