شهدت المملكة المتحدة فضائح مصرفية في كل عقد منذ سبعينات القرن الماضي، بلغت ذروتها في الانهيار المالي الكبير في عام 2007-2008، خاصة فضيحة الرشاوى القطرية من بنك باركليز، حيث تميزت الصناعة المصرفية بسوء بيع المنتجات المالية، مثل القروض العقارية والسندات والتأمين على حماية المدفوعات، وتزوير أسعار الفائدة وأسعار صرف العملات الأجنبية. ويتطلع البريطانيون إلى المنظمين للحد من مثل هذه الممارسات الضارة، لكن الجهات التنظيمية تهتم بحماية الشركات والنخب أكثر من المواطنين، وفقاً للخبير والمحلل الأكاديمي البريطاني «بريم سيكا» على موقع «ليفت فووت فوروارد» البريطاني. وأوضح الخبير البريطاني الشهير في تحليله أن أحدث مثال على هذه الأطروحة تم الكشف عنها هذا الأسبوع، مع تحذير بنك إنجلترا المركزي للمدعين العموميين من توجيه تهم جنائية ضد بنك باركليز بسبب فضيحة الرشاوى والتحايل الضالع فيها مع النظام القطري. ووجه مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة في بريطانيا اتهاماً لأربعة من كبار المصرفيين في باركليز بالتآمر لارتكاب عمليات احتيال وتقديم مساعدة مالية غير قانونية. ونشأت هذه الرسوم عن ترتيبات جمع رأس المال من باركليز مع شركة قطر القابضة وشركة تشالنجر العالمية المحدودة في عام 2008، بالإضافة إلى تسهيل قرض بقيمة 3 مليارات دولار قدمته قطر من خلال وزارة الاقتصاد والمالية في نوفمبر 2008. وفي أكتوبر 2018، حكمت المحكمة العليا ضد طلب المدعي العام بإعادة التهم الجنائية التي رفضتها سابقا محكمة ملكية. وأفادت صحيفة «فاينانشيال تايمز» بأن سام وودز، رئيس الهيئة التنظيمية العليا للبنك، أخبر مكتب الاحتيال الخطير في عام 2017 أن التهم الجنائية يمكن أن تشكل تهديداً لأمن وسلامة الإجراءات البنكية لباركليز. وتساءل وودز عما إذا كان الكشف عن العلاقة المشبوهة بين النظام القطري والبنك ستؤدي إلى الإضرار بباركليز، وما إذا كان ذلك يصب في المصلحة العامة. والهيئة التنظيمية العليا هي جزء من بنك إنجلترا وتعتبر مسؤولة عن التنظيم والإشراف على البنوك والمؤسسات الائتمانية وشركات التأمين. وتقوم بوضع القواعد والإشراف على المؤسسات المالية لضمان سلامة ونزاهة هذه الإجراءات. ويعني تدخل بنك إنجلترا أن النظام المصرفي البريطاني كله قد يتعرض للضرر بسبب حجم المعاملات التي يقوم بها بنك باركليز وعدد من عملائه، وهو ما يعني أن الرشاوى التي حصل عليها حمد بن جاسم عرضت النظام المصرفي البريطاني كله للخطر. وبلغ إجمالي الرسوم السرية التي تعتبر رشاوى مقنعة لرئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم، 322 مليون جنيه إسترليني، مقابل أن يستغل مناصبه المتعددة في تلك الحقبة لاستثمار عدة مليارات من الجنيهات الإسترلينية من أموال صندوق قطر السيادي في بنك باركليز. وأكد الأكاديمي البريطاني أنه من الواضح أن بنك إنجلترا عارض الدعوى الجنائية على أساس أن التهمة الجنائية للشركات ستشكل تهديداً صغيراً، ولكن ليس بسيطاً، لسلامة وأمن باركليز. وهذا يطرح الأسئلة المعتادة حول استقلال النخب التي تدير المؤسسات التنظيمية ورغبتها في حماية الصناعة بدلاً من المواطنين والمودعين. وقال الأكاديمي البريطاني إن قضية الفساد القطري مع باركليز ليست فريدة من نوعها. ولدى المنظمين الماليين عادة دفن والتستر على الفضائح وتجاهل رائحة الفساد. وقدم تقرير توملينسون الذي نشر في عام 2013، دليلاً على سوء المعاملة المنهجية لعملاء البنوك والشركات الصغيرة في «رويال بنك أوف سكوتلاند»، بينما لم تتخذ هيئة السلوك المالي أي إجراء. وتم تكليف هيئة السلوك المالي بتقديم تقرير عن الممارسات الخاطئة في «رويتال بنك أوف سكوتلاند». وقررت عدم النشر لأنه كان يعتبر سرياً - على ما يبدو محتوى لحرمان العملاء من أي حق في الحصول على تعويض. وحصلت لجنة الخزانة بمجلس العموم على نسخة ونشرت التقرير. ووسط هذه الفوضى المالية، حققت شرطة «تيمز فالي» البريطانية وحصلت على إدانة جنائية لستة من المصرفيين. وقال مفوض الشرطة أنتوني ستانسفيلد «أنا مقتنع بأن التستر يصل إلى مستوى مجلس الوزراء. وإلى قمة الأوساط المالية البريطانية». وقال الخبير المصرفي وأستاذ المحاسبة بجامعة «شيفيلد» إن حكومات المملكة المتحدة المتعاقبة كانت بارعة في التستر على هذه الأمور، مضيفا أن أكبر عملية احتيال مصرفي في القرن العشرين في بنك الائتمان والتجارة الدولي تم إغلاقها بالقوة في يوليو 1991، لكن حتى يومنا هذا لم يتم إجراء تحقيق مستقل وأخفت الحكومة هوية المذنبين. يذكر أن القاضي البريطاني الأشهر السير روبرت جاي قد طالب في شهر فبراير الماضي أمام هيئة المحلفين بمحكمة ساوث وارك الملكية البريطانية، بإدراج عدد من الكيانات والأفراد القطريين في قائمة المتهمين المدعى عليهم في قضية بنك «باركليز». والسير روبرت جاي، لفت انتباه ممثل الادعاء عن مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الكبرى البريطاني وهيئة المحلفين، إلا أن الجانب القطري في اتفاقي الخدمات الاستشارية يجب أن يدرج في قائمة المتهمين، وهذه خطوة نادرة الحدوث في تاريخ المحاكمات البريطانية.
مشاركة :