طارق الشناوي يكتب: (بابيشا) فتاة تواجه الإرهاب الديني بـ(ديفيليه) الأزياء!

  • 5/19/2019
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

هناك أحداث لا يمكن أن تغيب عن الذاكرة الجماعية للشعوب، تتعاقب السنوات وتتغير المواقف، وتتبدل السياسات، بينما تظل قادرة على التنفس ، لأن ما أسفرت عنه من أثر نفسى ومادى عصى على النسيان، (العشرية السوداء) بالجزائر، تلك السنوات العشر التى بدأت مع مطلع التسعينيات فى هذا البلد العزيز علينا، ونظمتها الجماعات الإرهابية المتطرفة وهى تسعى لتغيير ليس فقط هوية الدولة بقدر ما تغتصب هوية الشعب، القتل والدمار والدماء خبزهم اليومى، وبعدها وبضمير مستريح ينطقون الشهادتين!!. جاء فيلم (بابيشا) للمخرجة مونيا دور فى قسم (نظرة ما)، الذى عرض أمس الأول، وهو يستعيد تلك الأحداث من خلال عين فتاة فى الـ18 من عمرها تنتظرها الدنيا، بينما هم قد أصدروا أمرا ينهى رصيدها من الدُنيا، هى واحدة من شهود وشهداء الإرهاب، سلاحها الباتر هو تصدير الجمال، من خلال عملها بالأزياء قررت التحدى وأقامت معرضا للأزياء، بينما هم يريدون للمرأة أن تنتقب، ويا حبذا لو ظلت حبيسة البيت، (بابيشا) باللهجة المحلية تقال للفتاة الجميلة التى لا ترتدى حجاب. نذكر بفخر أن المرأة العربية هى عنواننا الأهم فى مهرجان (كان)، وأفلامنا المشاركة، أقصد القسط الأكبر منها، عليها توقيع النساء، من سوريا والجزائر والمغرب ومصر ورئيس لجنة التحكيم قسم (نظرة ما) المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكى، فقط الفلسطينى إيليا سليمان هو الرجل العربى المشارك بالمهرجان داخل المسابقة الرسمية بفيلمه (لابد أن تكون هى الجنة)، ورغم ذلك تجد أن هناك من يسأل عن تواجد المرأة فى الساحة الفنية العربية وأسباب التهميش، بينما مجرد إطلالة سريعة على مهرجان (كان) تكتشف أن الأمنية صارت عكسية، يرنو المخرجون الرجال فى عالمنا العربى لتحقيق نفس القدر النسائى من الإنجاز، المرأة العربية تُقدم الأفضل وتجيد التواصل وفك شفرة المهرجانات العالمية، والأمر ليس له علاقة بتوجه المهرجان وتغيير المؤشر ناحية الاهتمام بالمرأة، ولكنها الكفاءة التى لا تعرف ولا تعترف برجل أو امرأة. هذا العام أرى أن تواجد مخرجتين فى التسابق داخل قسم (نظرة ما) دليل عملى واقعى على أنها ليست أبدا صدفة، والمرأة تضع يدها على عمق الحياة، فى مواجهة من يبايعون الموت، هكذا شاهدنا السورية وعد الخطيب فى فيلمها (إلى سما) وهى توثق الدمار فى حلب وتؤكد روح المقاومة برغم القمع الذى يمارسه النظام، بينما استعادت المخرجة الجزائرية مونيا دور فى (باتشيا) سنوات الإرهاب الدموى فى الجزائر، الذى ظل حاضرا دوما فى المشهد السينمائى، صحيح أن الجزائر فى نهاية الأمر أطاحت بالإرهاب بعد أن تولى عبد العزيز بو تفليقة الحكم، واستطاع أن يوقف نزيف الدماء، ثم مؤخرا أطاح الشعب بـ«بو تفليقة» والمجموعة الحاكمة، عندما أرادوا البقاء للأبد، فجاءت ثورة الجزائر السلمية فى الشارع من أجل الديمقراطية، والتى أراها هى السياج الحقيقى ضد التطرف، الذى تنمو بذوره فى عهود الديكتاتورية. المتطرفون كانوا يرصدون كل أماكن الحياة والترفيه مثل النوادى والمقاهى، ويعتبرونها من أهدافهم الرئيسية، المخرجة الجزائرية مونيا دور اختارت أن تُقدم بُعدا أعمق للصورة، وهو التحدى بالجمال من خلال معرض أزياء نسائى (ديفيليه) تسعى لإقامته بطلة الفيلم تدعى نجمة، بينما هؤلاء المتطرفون الذين سيطروا على الشارع منذ مطلع التسعينيات يعاقبون أى فتاة لا ترتدى فى الشارع الحجاب، ولديهم قوائم بكل من يمارس الفن والأدب والإعلام والصحافة يعتبرونه مروجا للرزيلة، ويجد نفسه متصدرا قائمة الاغتيالات، عداؤهم للمرأة هو البند رقم واحد فى ميثاقهم الدموى، فقط لكونها امرأة. بطلة الفيلم تحلم بـ(ديفيليه) ترتدى فيه الفتيات الجزائريات أحدث وأجمل الأزياء فى تحد مباشر للإرهاب، كانت تعلم أنها ستواجه الموت حتما، ولكنها أرادت أن تعلن تغريدتها الأخيرة فى وجه القبح. وهكذا جاء التقابل بين الأناقة والجمال عنوان الحياة وبين الدمار والدماء سلاح الإرهابيين. الذروة التى قدمتها المخرجة هى إقامة معرض للأزياء، وفى تلك اللحظة يشهرون بنادقهم ويسنون سيوفهم ويطلخون الجمال بالدماء وكأنهم قد حملوا تفويضا بقتل البهجة، الجمال هو العدو الأول لمغتصبى الحياة، الفيلم لا ينتهى مع اندحار التطرف، ولكن ما حرصت عليه المخرجة، التى كتبت أيضا السيناريو، أن إرادة التحدى فى إشهار سلاح الجمال، الفيلم يتحرك دراميا وإخراجيا فى دائرتين حكاية البطلة وحكاية الشارع، فكانت عين المخرجة تنتقل بين ما يمارسه الإرهابيون فى الشارع، وما تخطط له البطلة التى لم تتنازل عن حلمها، حتى ولو كان الثمن حياتها!!.

مشاركة :