كُلّ شَخص في الدُّنيَا لَه قُدوَة في الحيَاة، إمَّا مِن شَخصيّات التُّرَاث، وإمَّا مِن شَخصيّات المُعَاصرين، ولَن أَتحدَّث عَن قُدوَتي مِن القُدْمَاء، فهُم كُثر، ولَا تُحصيهم إلَّا المُجلَّدات، ولَكن سأتحدَّث عَن قُدوَتي مِن المُعَاصرين في إنجَاز العَمَل، واحترَام النِّظَام، ودِقّة المَواعيد.. ذَلكُم هو صَديق طفُولتي «أبويحيى المديني»، الذي يُبهرني بتَركيزه عَلَى عَمله، بحَيثُ لَا يَترك مَجالاً للمُفَاجآت، ولَا يُهْمِل عَمله حتَّى يُنجزه في آخر دَقيقة.. وإليكُم شَيئًا مِن مُوَاصفاته..! مِن مَزَايا صَديقي «المديني»، أنَّه يُجدِّد أي وَثيقة رَسميّة عِنده قَبل انتهَائها بستّة أشهُر، وإذَا اتّفقنَا عَلى أَنْ نَلتقي في مَوعد المودَّة والكَرَم؛ جَاء قَبل المَوعد بسَاعة.. أمَّا مَا يَخص وسَائل التَّواصُل؛ فهو لَا يَستخدم الجوّال، لأنَّه إمَّا أَنْ يَكون في مَحلِّه العَامِر بالبضَائع، أو أن يَكون في مَنزله، بَل اكتفَى بالهَاتِف الثَّابِت في المَنزل والعَمَل، وكُلّ مَن يَعرفه يَضبط سَاعته عَلى دِقّته، حَيثُ يَذهب إلَى العَمَل والمَنْزل في وَقتٍ مَعلوم.. حتَّى الفرُوض التي يُصلِّيها في الحَرَم -في طَريقه بَين العَمَل والمَنزل- مَعروفة، ولَم يُفكِّر يَومًا في اقتنَاء هَاتِف جوّال؛ للتَّواصُل مَع العَمل أو البَيت، وفَلسفته في ذَلك أنَّ وَسَائِل الاتّصال لَا مَكان لَها، لأنَّ الحَرَم لَه قُدسيّته، والطَّريق إليهِ لَه هَيبته واحترَامه، ولَا يُمكن أنْ يُجازف بالقيَادة بيَد، واستخدَام الهَاتِف الجوّال باليَد الأُخرَى..! أمَّا مَا يَخُص وَسَائِل الإعلَام فهو مُستمع للمذيَاع، الذي يُسمّى (الرَّاديو)، بشَكلٍ جَيّد في عَمله، حَيثُ مَازَال يَحتفظ برَاديو عَتيق مُغلّف بجِلد، لدَرجة أنَّ كُلّ شَيء يَتغيّر في المَحل؛ إلَّا مَوقع الرَّاديو، وإذَا ذَهب إلَى المَنزل؛ فوَقته لَيس مِلكًا للقنوَات، وإنَّما لأطفَاله الذي يَتشوّقون للحَديث مَع أَبيهم؛ الذي أَنْفَق سَحَابة يَومه؛ حتَّى يُوفِّر لَهم لُقمة العيش الحَلَال، حَيثُ يَنصت بحِرصٍ شَديد إلَى تَفاصيل يَوميّاتهم في المَدْرَسَة، ولَا يُوجّه إلَّا بلُطفٍ وحلم..! أكثَر مِن ذَلك، فإنَّه مِن حِرصه أنْ لَا يَكون ضَحيّة للتَّأخير، يَحمل في «شَنطة» سيَارته «كَفرين» احتيَاطيين، أو مَا يُسمَّى «استبنين»، خَوفًا مِن أن «يبنشر» كَفَرَان في مشوَارٍ وَاحِد..! أمَّا إذَا كَانت لَديه رِحلة دَاخليّة، فيَأتي قَبل الرِّحلة بأربَع أو ثَلاث سَاعَات، وإذَا كَانت الرِّحلَة خَارجية، فإنَّه قَد يَأتي قَبل الرِّحلة بعَشر سَاعَات، وأحيَانًا بيَومٍ كَامِل، حتَّى لَا يَضع أي هَامش للصُّدفَة أو المُفَاجأة؛ أو سوء الأحوَال الجويّة، في تَغيير جَدْوَله المُنظّم..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أنْ نَقول: إنَّ صَديق طفُولتي «أبويحيى المديني» فَوق كُلّ ذَلك، يَمتَاز بالصَّبر وخفّة الدَّم والكَرَم وفِعل الخَير، فلَا تَتعجّبوا إذَا قُلت لَكُم بأنَّني؛ حِين صَلّيتُ فَجر هَذا اليَوم دَعوتُ الله أنْ يَحفظه..!!!. تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :