"هناك تنظيمات إرهابية هي واجهات لدول وأنظمة تسخر إمكاناتها للنيل من أمننا واستقرارنا واستمرارية وجودنا"، هذا جزء مما قاله صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية خلال كلمته التي ألقاها ضمن اجتماع وزراء الداخلية العرب ال(32) في الجزائر، مؤكّداً على أنّ أمن الدول العربية "كل لا يتجزأ"، موضحاً "التحديات التي تواجه أمننا كثيرة، وتستدعي مواجهة حازمة وذكية ضد الفعل الإجرامي.. مواجهة تكشف زيف الادعاءات والرايات وتصون أمتنا من التنظيمات المضلة”، وكانت هذه الكلمة من لدن خبير عليم، يعرف خبايا وأسرار مكافحة الجماعات والتنظيمات الإرهابية، كيف لا وقد عانت المملكة من الإرهاب خلال العقدين الماضيين، حتى أصبحت الخبرة في محاربة الإرهاب كبيرة. وقد ضعت المملكة منذ وقت مبكر قدراتها الأمنية في مواجهة الإرهاب من أجل خدمة الأمن والسلم العالميين، وهو جهد لا يمكن لأحد إنكاره، وكانت المملكة وراء فكرة إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة، وتبرعت له ب(100) مليون دولار، فهي صاحبة تجربة رائدة وفذة، تحتوي على رصيد وافر من الخبرة والنجاح، وقد توفرت فيها الشمولية في الوسائل والأساليب، واكتسبت المعلومات والممارسة المختلفة بحسب طبيعة الإرهاب الذي واجهته، والظروف الوطنية والدولية التي كانت سائدة، وسعت إلى وضع هذه التجارب في ميزان التقويم ومحك النظر، للاستفادة من الصالح منها الملائم لبيئة المسلمين المتوافق مع ثقافتهم، على مسار البحث عن إستراتيجية شاملة متكاملة في هذا المجال، حتى إنّها سبق وأن حذرت أجهزة الاستخبارات الأميركية والأوروبية من احتمال وقوع هجمات إرهابية، مع تفاصيل عن تلك الهجمات، والتي عرفت فيما بعد ب"الطرود المفخخة"، وكل هذا يثبت أنّ تجربة المملكة في التصدي للإرهاب رائدة بكل المقاييس، ما دفع بدول أخرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة والجزائر إلى استلهامها. تقدير دولي وكانت المملكة قد أكدت أكثر من مرة حرصها على المشاركة في أي جهد دولي لمكافحة الإرهاب والتطرف والقضاء على أي فكر أو عمل يقود للإرهاب، انطلاقا من المسؤولية والحرص على حشد وتضافر العمل الدولي في مكافحة هذه الظاهرة، ومصادرها ومحاربة الجهات التي تقف وراءها من دون تفريق بين جنس أو لون أو ديانة أو مذهب، إذ تعد تجربة المملكة في التصدي للإرهاب رائدة بكل المعايير، وقد حظيت بتقدير دولي؛ نظراً لمعالجتها الناجحة عبر جهود مضنية مبنية على أسس علمية، وأمنية، واستراتيجية عميقة، داخلية وخارجية، ويأتي هذا الدور الرائد للمملكة بسبب خبرتها التراكمية التي باتت أنموذجاً يحتذى به، بعد أن طالتها هذه الآفة، وعانت من هجمات إرهابية في الماضي، تعددت في أشكالها وصورها ما بين اختطاف، وتفجيرات، وهجمات انتحارية، وعملت منذ زمن طويل على مقاومة هذه الظاهرة الخطيرة. واقع خطير وليس هناك شك أنّ المملكة أصبح لديها خبرات تراكمية للتعامل مع آفة الإرهاب، وأصبحت نموذجا يحتذى في العالم في محاربة الإرهابيين، وتحصين الحدود، وإحكام الرقابة عليها، وقد أدركت المملكة في وقت مبكر خطورة الإرهاب، وكانت من أوائل الدول التي طالبت بضرورة اجتثاثه من جذوره، وعدم التراخي في التعامل معه، والإسهام بفاعلية في حفظ الأمن ولجم الإرهابيين، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، من خلال التعاون مع المجتمع الدولي والعربي، حيث كانت -وما زالت- الدولة الأساسية في مواجهة الإرهاب بكل نماذجه وأشكاله وألوانه، وعملت على إيجاد العقوبات المغلّظة لممارسة الإرهاب والانتماء لجماعاته، واعتماد عقوبات مناسبة على التصرفات القولية أو الفعلية المشيدة به أو الداعمة له أو المتسترة على أصحابه، بحسب خطورتها ومحور التوعية الشرعية، مع سعيها لتعزيز منهاج الوسطية والاعتدال التي يتميز بها الإسلام، وتصحيح الأخطاء الواقعة من البعض في المفاهيم الشرعية ذات الصلة بجماعة المسلمين وإمامتهم، وعلاقتهم بغيرهم، والتحذير من الغلو في الدين، والتعصب الطائفي المقيت، وإيجاد برامج لعلاج الانحراف الفكري ومحور الاهتمام بوسائل التربية بتوجيه النشء توجيهاً سليماً، محصناً من الانحراف الفكري، وعندما كان البعض يجتهد في تبرير أعمال بعض التنظيمات الإرهابية كانت المملكة تقول كلمة الحق في هذا الواقع الخطير، الذي ما نظرت إليه المملكة يوماً على أنّه خطر عليها وعلى شعبها فحسب، بل لطالما نظرت إليه على أنّه خطر يهدد العالم والاستقرار الدولي برمته. قرار استراتيجي وعندما قررت المملكة خوض غمار المواجهة مع الإرهاب لم يكن هذا القرار مستنداً على ردة فعل آنية، بل كان قراراً استراتيجياً حاسماً، يضع مصلحة الاستقرار والأمن والأمان على هذه الأرض في المقدمة، فالمملكة كانت تاريخياً -ولا تزال- بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حريصة على إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة والسلم والعدل في العالم، وستستمر في مكافحة جميع التنظيمات الإرهابية في المنطقة، من خلال تعاونها وتحالفها مع المجتمع الدولي؛ لأنّها تؤمن بالسلام، والاستقرار، وترفض الإرهاب والتطرف بجميع أشكالهما، وبذلت جهوداً كبيرة في ذلك، وتعاملت معه بمنتهى الحزم، وتميزت خطتُها بالشمول في مختلف الوسائل والتكامل بينها، والتركيز على التعاون الإقليمي والدولي؛ لأن الجماعات الإرهابية تستعمل في التجنيد، والتمويل، والتسليح، شبكات عابرة للدول بل وبعضُها للقارات. تحالف الشر وعلى الرغم من أنّ المنهجية العسكرية الخليجية دفاعية وعرف عنها أنّها داعية للسلام، إلاّ أنّ المشكلة الرئيسة مع إيران وأتباعها في المنطقة أنّ لديهم فكراً ثورياً يسعون إلى تصديره إلى العالم العربي، وتعدّ اليمن إحدى الدول التي تعمل إيران على زعزعتها؛ من أجل تمرير مشروعها التوسعي في المنطقة، وتصدير ثورتها إليه، وقد سعت إلى استثمار التركيبة الاجتماعية كوسيلة للتسلل وتحقيق مآربها، وعملت على دعم الحركات الانفصالية، وشراء ولاءات بعض القبائل، خصوصاً المحكومة بتوجهات سياسية مذهبية موالية لها، وقد تحالفت إيران مع قوى في اليمن تسعى إلى زعزعة استقرار الحكومة المركزية، وبعد نجاحها في ذلك أصبح لديهم تطلعات بالسيطرة على دول المنطقة، من خلال التدخل في شؤونهم الداخلية، وتحريض أتباعهم بإحداث القلاقل ودفع دول الجوار إلى حالة من عدم الاستقرار، كما عملت طهران على محاولة تثبيت قدمها في عدن وباب المندب الذي يفوق مضيق هرمز أهمية في تغذية العالم بالنفط، واستغلت الحوثيين في الشمال من أجل القيام بالمهام اللوجستية؛ للسيطرة على الجنوب. وكانت المملكة إدراكاً منها لخطورة هذا التحالف قد أولته اهتماماً بالغاً، وتابعت تحركاته، وما ان تجرأ الحوثيون بالاعتداء على شرعية اليمن، والعمل على زعزعة استقراره بالانقلاب على الرئيس المنتخب "عبد ربه منصور هادي"، وجهت المملكة رسالتها الصريحة: إذا لم يتم إنهاء الأمر سلمياً سيكون الرد حازماً، وتجاهل الحوثيون وحلفاؤهم رسالة المملكة، فكان الرد "عاصفة الحزم"، التي أطلقها خادم الحرمين استجابة لطلب الرئيس "هادي" لحماية اليمن من عدوان الميليشيات الحوثية، والتي أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لأمن المنطقة واستقرارها وتهديداً للسلم والأمن الدولي، وقد سارعت المملكة إلى بذل كافة الجهود للوقوف إلى جانب الشعب اليمني الشقيق في محاولاته لاسترجاع أمنه واستقراره، من خلال البناء على العملية السياسية التي أطلقتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ولحماية المنطقة من تداعيات هذا الانقلاب.
مشاركة :