علاء الدين محمود لئن كان الفلاسفة أكدوا على ضرورة تغيير العالم، لا الاكتفاء باكتشافه؛ فإن الشعراء يقومون، عملياً، بتلك المهمة الجليلة، ينثرون الجمال فيغيّرون ما بالأنفس، والأرواح، والعقول، هم يخففون الحمولة السياسية الثقيلة، ويبددون أوهام الأيديولوجيات الكاذبة، تسكنهم تلك الرغبة الرومانسية في جعل العالم مثالياً؛ إذ يعودون بالحس الإنساني إلى طبيعته، ويحملون حلم تغير الواقع والعبور بالبشر إلى عوالم جديدة من السلام والتسامح، فكلماتهم هي نقيض العنف والجشع، كانت تلك مهمتهم منذ الأزل، وحتى الذين يحيدون عنها ويوظفون كلماتهم لمصلحة الأيديولوجيات سرعان ما يعودون من منتصف الطريق لينضموا للمبشرين بالجمال، فلئن كان الفيلسوف ينظر إلى الواقع من أعلى، ويمارس التأمل ومراقبة الظواهر الحياتية؛ فإن الشاعر يتفاعل مع الحياة والحدث اليومي، فهو ينغمس بشكل كامل مع تلك التفاصيل الواقعية، ليس بينه وبين الناس حجاب، يحس بآلامهم، ومعاناتهم. ولئن كان البعض قد رسخ في عقله أن الفلسفة هي الجهد العقلي الجبار الذي لا يعترف سوى بالحقائق؛ فإن الشعر ليس هو تلك الآهات والتهويمات الغارقة في الخيال والغموض، بل هو البحث الأكيد عن معنى للحياة، فهو يقوم على جهد فكري، و«تصور»، و«رؤى»، وهي المرتكزات نفسها التي ينطلق منها الفيلسوف، فالألماني جورج لوكاش يرى أن الفلسفة هي تلك الأفكار التي تحمل «رؤية للعالم»، فيما يرى الكثيرون أن مهمة تغيير العالم نفسها هي مجرد حلم، أو يوتوبيا، بالتالي هي مهمة شاعرية في المقام الأول، لذلك فإن الشعر هو لحظة الانحياز والانتصار للحلم الفلسفي، لذلك لا عجب أن بعض الفلاسفة من المؤثرين ظلوا ينحازون للشعر كما كان يفعل الفيلسوف نيتشة الذي يرى الكثيرون أن فلسفته هي عبارة عن شذرات شعرية، فقد وظف لغة الشعر في تقديم الأفكار الفلسفية، وكان من الحالمين بتغيير العالم نحو الأفضل، وكما يفعل كذلك الفيلسوف المعاصر هايدجر الذي يرى أن الشعر تأسيس للوجود عبر الكلام، بالتالي هو الحارس للحلم الإنساني. وكثير من الثقافات انحازت للشعر، وأعلت من شأنه، فكان صوت الشاعر فيها هو نفسه صوت الفيلسوف، ومنها الثقافة العربية التي جعلت للشعر مكانة خاصة، وحتى التحول نحو الرواية والسرد اليوم في المشهد الثقافي العربي؛ إنما يأتي عبر بوابة الشعر، ويأخذ من أدواته ورؤيته الجمالية، فتلك هي مهمته عند العرب، لذلك فإن الشاعر العربي ابن طباطبة، يرى أن النظم كان بمثابة «السحر الأبيض»، عند العرب، يهدف إلى نشر قيم الحب، والخير، والجمال، وطباطبة بهذا المعنى، يؤكد على أن الشعر يصل إلى الروح، لذلك فإن هذه الرؤية العربية للشعر تتفق تماماً مع مهمته الخالدة. alaamhud33@gmail.com
مشاركة :