أنور عبدالرحمن: السر في نجاح لطفي نصر أنه كان صحفيا محترفا غير مُسيَّس نجاح تجربتنا في المجالس الرمضانية نتيجة تكامل عقلين محايدين غير مؤدلجين فقدت «أخبار الخليج» والصحافة البحرينية والمصرية والعربية أحد كبار فرسان الكلمة في بلاط صاحبة الجلالة، هو الأستاذ الكاتب الصحفي الكبير لطفي نصر، الذي عشق مهنة الصحافة وأفنى سنوات عمره في خدمتها إيمانا برسالتها النبيلة ودورها المحوري في نهضة الأوطان وتطورها. وستظل الأجيال المعاصرة لتجربة الصحافة الحديثة في البحرين تتذكر بكل التقدير والإجلال والوفاء عطاء الأستاذ القدير لطفي نصر وإسهاماته المعطاءة التي كان لها الكثير من المتابعين والمعجبين، لأنه كان له مدرسته الخاصة في رسالة الصحافة وهي الإيمان بمبدأ «الصحافة القريبة من الناس»، التي تعكس اهتماماتهم وتعبر عن همومهم وتطلعاتهم وآمالهم بحيث تكون الصحافة هي «منبر المواطن» وصوته الذي ينقل كل ما يشغله إلى المسؤولين في المجتمع والدولة، لتكون الصحافة بحق «مرآة المجتمع». درس الأستاذ لطفي نصر الصحافة في كلية الآداب بجامعة القاهرة وتخرج فيها عام 1958م، وبعد تخرجه توجه إلى العمل في مؤسسة «أخبار اليوم» للصحافة والنشر، حيث كانت تمثل أحد أعرق المدارس الصحفية في مصر والعالم العربي، وقد أسسها الأخوان مصطفى أمين وعلي أمين، وكانت مدرسة صحفية استطاعت أن تكون لها مكانة كبيرة بجوار مؤسسة «الأهرام» العريقة في مصر. ومنذ بداية عمله بالصحافة اهتم الأستاذ لطفي نصر بالصحافة الخبرية، حيث عمل مندوبا ومراسلاً لمؤسسة «أخبار اليوم» في عدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية، واستمر في نشاطه الصحفي واشتهر بقدرته على اقتناص الأخبار التي تهم الناس، وخصوصا قطاع الموظفين والعمال، وأخبار الخدمات، وتمكن في هذه الأثناء من الارتقاء سريعا في قسم «الأخبار» حتى وصل إلى منصب نائب رئيس قسم الأخبار المحلية في مؤسسة «أخبار اليوم». ثم وقع عليه الاختيار ضمن المجموعة المصرية التي حضرت إلى البحرين لتأسيس جريدة «أخبار الخليج» لتكون الصحيفة اليومية الأولى التي تصدر في البحرين، والتي كان إصدارها ضرورة إعلامية وسياسية وتنموية لتواكب تطور البحرين الجديدة بعد الاستقلال في مطلع السبعينيات، وجاء صدور «أخبار الخليج» كأول صحيفة يومية ناطقة باللغة العربية لتغطي فراغا كبيرا في الساحة الصحفية البحرينية، وكان للأستاذ لطفي نصر دور كبير في صدور «أخبار الخليج» عام 1976م، واستمرارها على نهجها المهني؛ حيث ظل وفيا ومخلصا لعمله فيها حتى وافته المنية مساء الخميس الماضي. أنور عبدالرحمن يُرثي رفيق العمر وقد تحدث رئيس التحرير الأستاذ أنور عبدالرحمن عن تجربته الخاصة مع الراحل الكبير الأستاذ لطفي نصر التي امتدت على مدى أكثر من أربعين عاما، فقال: إن معرفتي بالأستاذ لطفي -رحمة الله عليه- بدأت في نوفمبر من عام 1975م، حين وصل مع زملائه من الصحفيين المصريين المؤسسين لـ«أخبار الخليج»، وكان من بينهم أول مدير تحرير للجريدة الأستاذ محمد العزب موسى، والأستاذ سعيد نعمة الله والأستاذ سعيد عارف. ويتابع الأستاذ أنور قائلا: من خلال حواراتي مع الأستاذ لطفي أدركت أنه من الصحفيين الشبان آنذاك الذين ينتمون إلى مدرسة الكاتب الكبير محمد التابعي وأيضا الأستاذ أحمد بهاء الدين، مع أنه كان يعتبر كلا من مصطفى وعلي أمين عمالقة الصحافة المصرية آنذاك. ويضيف الأستاذ أنور قائلا: كنت في ذلك الوقت أشغل موقع سكرتير عام دار «أخبار الخليج»، وحين سألت الأستاذ لطفي كيف تلخص رؤيتك لجريدة «أخبار الخليج» المقبلة علما أن هذه الجريدة ستكون «بحرينية – خليجية – عربية – قومية؟ أتذكر أنه قال لي: هذه المبادئ الأربعة التي أشرت إليها ستكون مقومات نجاح هذه الجريدة، وهذا ما نحتاج إليه كعرب. ويواصل رئيس التحرير قائلا: لكن الملاحظ على الأستاذ لطفي أنه منذ ذلك الحين كان حريصا على أن تكون «أخبار الخليج» جريدة شعبية، وكلمة الشعبية تعني هنا أن تكون الجريدة مُعبرة عن آمال وأحلام وآلام الفئة الكادحة من المجتمع. ويضيف الأستاذ أنور: ولكي أكون أكثر إنصافا مع رفيق العمر صديقي الراحل الكبير، لا بد أن أؤكد أنه كان صحفيا مهنيا محترفا بكل معنى الكلمة، أي من دون أي عقيدة سياسية أو آيديولوجية أو حزبية، بل كان يرى أن الصحفي يجب أن يكون «آلة تصوير» وليس «رساما». ومع مرور الأيام، كان الأستاذ لطفي يؤكد نفس الأفكار والآراء ويرددها باستمرار رغم مرور أكثر من 40 عاما على عمله في «أخبار الخليج»، وقد كان يدافع باستمرار عن زملائه ولو كانوا على خطأ، وكان يردد المقولة الشهيرة «من يعمل يُخطئ». ويؤكد الأستاذ أنور أن المرحوم الأستاذ لطفي استطاع خلال تجربة حياته العملية في البحرين، وخلال فترة وجيزة، أن يؤسس علاقات متميزة مع كل فئات المجتمع، من الوزير إلى الغفير، ومن الثري إلى الفقير، ومن المثقف إلى غير المتعلم، لأنه لم يكن يتعالى عليهم بقلمه أو ثقافته، بل كان يؤمن بأن ما وهبه الله له من قدرة على الكتابة يجب أن تكون مفتاحا للعلاج وليس مصدرًا للتعالي على الناس. تجربةُ المجالس الرمضانية وتحدث الأستاذ أنور عن تجربته الخاصة مع الأستاذ لطفي في تغطية المجالس الرمضانية وإثارة المناقشات والحوارات الهادفة فيها، فقال: لقد كانت تجربة المجالس الرمضانية بيني وبين الأستاذ لطفي تجربة فريدة وغير مسبوقة، فلا توجد سابقة لمثلها في الصحافة بشكل عام. ولقد جاء نجاح هذا العمل المشترك الذي حاز إعجاب وتقدير الكثيرين نتيجة تعاون وتكامل عقلين محايدين غير مؤدلجين، وحين وحاولت بعض الصحف الأخرى محاكاة هذه التجربة أخفقت ولم تفلح، والسبب كان غياب التنسيق الفكري بين المحاور والمحرر. ولقد نجحنا خلال هذه المجالس الرمضانية على مدى نحو 20 عاما في إثارة مئات القضايا الحيوية التي تهم القراء والمجتمع والدولة. تجربته مع «أخبار الخليج» كان الأستاذ لطفي نصر شديد الاعتزاز بتجربته الصحفية في «أخبار الخليج»، ويعتبرها التجربة الأهم والأبرز في مشوار حياته، ليس فقط لأنه شارك في التأسيس وكان أحد أعمدتها الكبار، ولكنها وفق رأيه وفرت له كل الإمكانات ليعبر عن كل طاقاته ومواهبه في مجال الصحافة، وفي الإبداع في معظم فنونها الصحفية من القيام بالتغطيات الصحفية للأحداث والمؤتمرات والمناسبات المهمة، إلى إجراء التحقيقات الصحفية بحرفية وإتقان واستقصاء في كل قضايا المجتمع المهمة، وصولا إلى كتابة العمود الصحفي الذي كان يعبر فيه عن آرائه بكل حرية وشفافية، وهو العمود الصحفي الذي اشتهر بعنوان: «في الصميم». كان الأستاذ لطفي نصر يفتخر دائما برأي سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان في جريدة «أخبار الخليج»، وكثيرا ما يكرر في كتاباته مقولة سموه الشهيرة التي يشيد فيها بمستوى ومصداقية جريدة «أخبار الخليج» حين يقول سموه: يكفيني قراءة «أخبار الخليج»، وهي كلمات ستظل وساما على صدر هذه الجريدة وكل العاملين فيها تحفزهم دائما على الاستمرار في العطاء بإخلاص ومهنية رفيعة لتظل عند حُسن ظن كل محبي هذه الجريدة. ويفسر الأستاذ لطفي نصر في أحد مقالاته أسباب نجاح جريدة «أخبار الخليج» بقوله: «إن من أسباب ما جعل (أخبار الخليج) تواصل مسيرتها قوية معطاءة.. كإحدى الصحف القلائل المعدودة على الصعيد العربي، أنها احترمت نفسها، وتشبثت بهويتها القومية العربية لا تحيد عنها أبدا، لا تتلون ولا تتغير.. جريدة وطنية معطاءة من الطراز الأول، تخدم شعبا أبيا عريقا.. ونظاما قلما نجد له نظيرا على الصعيد العربي في خدماته وإخلاصه لوطنه وأرضه وشعبه، وقادة أوفياء نذروا أنفسهم خدمة لوطن وشعب يستحقان منهم كل هذه البذل المتفاني والمخلص والنادر.. وأخذوا بيد هذا الشعب، ورفعوا مكانته بين الأمم، وأعطوه بسخاء رغم تواضع الإمكانيات». ويرى الأستاذ لطفي نصر أن من أسباب تواصل مسيرة «أخبار الخليج» ونجاحها الكبير في تحقيق أهدافها أن الله تعالى قد هيَّأ لها أناسا مؤمنين بدورها وبرسالتها الوطنية.. من بين مساهميها.. ومن بينهم من قاموا على إدارة مؤسسة «أخبار الخليج» وحملوا المسؤولية بإخلاص وتفانٍ، في طليعتهم الأستاذ الكبير محمود المردي أول رئيس تحرير للجريدة والأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة الحالي الذي حمل الأمانة ولا يزال في صبر وكفاءة واقتدار، فأخذها من نجاح إلى نجاح أكبر، ورفع من مكانتها الصحفية والمالية والإدارية. لطفي نصر.. نصيرُ العمال إن السمة الرئيسية في اهتمامات الأستاذ لطفي نصر طوال مسيرته الصحفية هي إعطاء الاهتمام البالغ لقضايا الناس البسطاء، وخاصة الذين يبذلون العرق بإخلاص في كل مواقع العمل، ولذلك رأينا منذ وقت مبكر اهتمامه البالغ بقضايا العمل والعمال؛ إذ أشرف على تحرير صفحة متخصصة في هذا الشأن، وكان حريصا فيها على عرض همومهم ومشكلاتهم لتصل إلى أصحاب القرار بهدف حلها. كما كان حريصا على إبراز النماذج المشرفة والناجحة في كل مواقع العمل من العمال والموظفين والكادحين، وتسليط الأضواء على حياتهم وتجاربهم لتكون قدوة لكل العاملين في كل المواقع، وكانت هذه الإضاءة تحظى بترحيب وتقدير القرّاء وكل المخلصين في أعمالهم في كل المواقع. ومن الناحية الصحفية المهنية والإخبارية كان يعطي الأولوية لأخبار الناس عموما، والأخبار التي تهم العاملين وسبل تحسين ظروفهم المعيشية، لذلك كانت أخبار العلاوات الدورية للموظفين والحوافز والمكافآت وزيادة الأجور تحتل الأولوية في اهتمامات الأستاذ لطفي، وكان يحرص على إبرازها بعناوين بارزة في الصفحة الأولى من الجريدة، قائلا إن هذه الأخبار السارة هي مفتاح رضا المواطنين وإدخال البهجة إلى نفوسهم. ومن جانب آخر، كان الأستاذ لطفي من أكثر الكتاب والصحفيين الذين اهتموا بقضايا المتقاعدين والدفاع عن حقوقهم باستمرار؛ لأنه كان يرى أن هذه الفئة من المجتمع أعطت بإخلاص للمجتمع والوطن، ويجب أن يحظوا باستمرار بالاهتمام والتكريم، ليس فقط من قطاعات وهيئات الدولة، ولكن أيضا من كل المجتمع، وكان يخصص مساحات كبيرة من مقالاته لتسليط الضوء على قضايا المتقاعدين حتى أصبح أحد الصحفيين القلائل المتخصصين في هذه القضايا، ولديه ثقافة قانونية موسوعية في هذا المجال. ومما كتبه في هذا المجال في عمود «في الصميم» عن الإبقاء على المزايا التقاعدية ما كتبه قائلا: «وأنا أتعامل مع بيان مجلس الوزراء لإعداده للنشر أسعدني خبر يقول: (إن المجلس الموقر بحث عددا من المبادرات التي تكفل تعزيز استدامة تقديم المزايا التقاعدية وإطالة عمر الصناديق التقاعدية.. وأن المجلس قرر إحالة مذكرة بهذا الخصوص إلى هيئة التشريع والإفتاء القانوني لوضعها في الصيغة القانونية المناسبة مثل إحالة مشروع قانون بهذا الخصوص إلى السلطة التشريعية)، وعلق الأستاذ لطفي على هذا الخبر قائلا: «سنعتبر هذا الخبر هو هدية الحكومة إلى العمال في عيدهم»، ذلك لأن هذا الخبر نفسه يجيء بمثابة رد مُثلج للصدور من الحكومة الموقرة على شائعات قوية تتردد منذ فترة بأن هناك نية مُبيّتة لإلغاء المزايا التقاعدية باعتبار أن ذلك مطلب تفرضه الظروف الصعبة الراهنة!». وأضاف يقول: «هذا الخبر يُسعد طبقة المتقاعدين والموظفين الذين تقترب رواتبهم أو معاشاتهم التقاعدية من الحد الأدنى.. وهؤلاء هم الذين يعملون بأعداد أكبر في القطاع الخاص، وخاصةً أنه على رأس المزايا التقاعدية في الوقت الراهن مكافأة نهاية الخدمة.. وهذه المكافأة إن ألغيت أو انسحبت -لا قدَّر الله- فإنها ستسحب معها روح الموظف أو العامل البسيط الذي ينام ويصحو وهو يحلم بها ويعمل لها ألف حساب». وهكذا نرى أن فقيد الصحافة الكبير الأستاذ لطفي نصر كان مُخلصا للغاية في الدفاع عن حقوق الموظفين والمتقاعدين وكل بسطاء الناس، وهذا ما جعله يتمتع بشعبية كبيرة في أوساط هذه الفئات، ونظروا إلى قلمه باعتباره لسان حالهم والمعبر دائما عن همومهم وتطلعاتهم المشروعة، وهو ما يتفق تماما مع رؤيته ومدرسته الصحفية التي كان يرى فيها ضرورة أن تكون الصحافة بمثابة «منبر للناس» و«صوت المواطن» المعبر عن كل ضمير حي صادق. رحم الله أستاذنا الكبير، فكم سنفتقد إسهاماته الإنسانية الجميلة في هذا الشأن، ونأمل أن تكون هذه الروح نبراسا لأجيال جديدة من الصحفيين لتكون أكثر تعبيرا عن هموم وتطلعات كل الناس. ولا شك أن كتاباته في هذا الشأن ستظل نموذجا يُحتذى به لكل من يروم نجاحا حقيقيا في مهنة الصحافة، وأن يكون قريبا وصادقا مع الناس والمجتمع. رئيسة مجلس النواب: الأستاذ لطفي نصر ترك الأثر الإيجابي للصحافة البرلمانية والوطنية أعربت السيدة فوزية بنت عبدالله زينل رئيسة مجلس النواب عن خالص التعازي والمواساة إلى أسرة الأستاذ الراحل لطفي نصر رحمه الله، بعد مسيرة عمل صحفي متميز ووطني كبير، ترك الاثر الايجابي والبصمات الرفيعة وخلد الذكرى العطرة وساهم في تقدم صحيفة أخبار الخليج والصحافة البحرينية عموما. وأشارت رئيسة مجلس النواب إلى أن شرفة الصحافة في المجلس وتحت قبة البرلمان ستفتقد رجلا فاضلا وأستاذا جليلا لطالما واصل العمل المهني في التغطية الصحفية البرلمانية منذ التسعينيات في مجلس الشورى وحتى نهاية دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الخامس الشهر الماضي. خصاله الحميدة وأخلاقه الكريمة ووقاره واحترامه للآخرين هي التي تميز بها على الدوام، وبحكم عملي الاعلامي سابقا والنيابي حاليا فقد وجدت منه كل التعاون والتقدير والاحترام، وكانت لنا مواقف مشتركة وتواصل مستمر في الشأن الاعلامي والنيابي. وزير الخارجية: الصـحــفي الأمــين لـطـفي نصر.. أحب البحرين واقتسم حياته مع أهلها الذين أحبوه نعى وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ لطفي نصر الذي وافته المنية مساء الخميس إثر طارئ صحي أصابه. وقال وزير الخارجية في تغريدة له على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: رحم الله الأستاذ الفاضل والصحفي الأمين لطفي نصر.. الذي أحب البحرين واقتسم حياته مع أهلها الذين أحبوه. تعازينا لعائلته الكريمة إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون عم لطفي .. صحفي حتى النهاية سيد عبدالقادر الموت حق لا مراء فيه، لكن الصدمة تجعلنا لا نصدق هذه الحقيقة فور وقوعها، وخاصة عندما يصدمنا خبر رحيل رجل غير عادي، مثل الأستاذ لطفي نصر، أو عم لطفي كما اعتدنا أن نناديه. كان عم لطفي صحفيا يناضل في عمله حتى آخر رمق، وقد رحل في نفس الطريق اليومي المعتاد من البيت إلى مكتبه، رحل وهو في قمة نشاطه وتألقه في شهر رمضان الذي كان يعد بالنسبة له أكثر مواسم النشاط والعمل والتغطيات.. ففيه كان يتحرك بدأب وصبر لا مثيل له مع الأستاذ أنور عبد الرحمن رئيس التحرير لنقل نبض المجالس البحرينية، التي تعد صورة صادقة للحياة في البحرين، كان يواصل الليل بالنهار.. يجمع ما يدور في المجالس ليلا، ويكتبه في الصباح، وبعدها يحمل أوراقه إلى المكتب ولا يهدأ حتى يتسلم بروفات الصفحات التي سينشر فيها تغطية كل مجلس. عندما قررت العودة نهائيا إلى مصر، كتبت عمن عملت معهم وتعلمت منهم خلال فترة ناهزت الثلاثة عشر عاما، ويومها كتبت «لن أنسى المايسترو الأستاذ لطفي نصر، الذي لم أجد كلمات تصفه سوى أنه الوحيد الذي يستطيع أن يهزم قانون الجاذبية..». أعترف أنني كنت أتعامل معه باعتباره إنسانا غير عادي، في صبره ودأبه وقدرته على العمل ساعات طويلة، والسهر يوميا حتى انتهاء صفحات الجريدة. كل ليلة مدة 11 شهرا كل عام، فلم يكن يغيب عن مكتبه سوى في شهر الإجازة السنوية، قدرة احتمال غير عادية لم أرها في سنوات عملي التي تجاوزت 37 سنة، في شخص آخر غير عم لطفي. كان يرفض فكرة التقاعد، بل لم يكن يتخيل احالته إلى التقاعد، كان موقنا أنه سيموت لو توقف عن العمل وعن الذهاب إلى مكتبه. كان رجلا من طراز خاص يعجبك ولكنك توقن أنك لن تستطيع أن تكون مثله، لأن ذلك يعني أن تكون الصحافة هي كل حياتك، وأن يصبح المكتب هو المكان الوحيد الذي تشعر فيه بأنك على قيد الحياة، أو أن قلبك ينبض داخله بانتظام. لا أصدق أن يزور أحدا أخبار الخليج من دون أن يسأل عن عم لطفي، أو أن يبحث عن مكتبه، ولا أتخيل أن يتصل مسؤول في وزارة أو هيئة بهاتف أخبار الخليج من دون أن يقول «وصلني بالأستاذ لطفي»، لا أصدق أن عدد الغد لن يرى عم لطفي أخباره، ولن يقرأ زوايا الرأي قبل نشرها، ولن يرى بروفات الصفحات قبل توجهها إلى المطبعة. الحكمة الأبدية تقول إن الحياة لا تتوقف على شخص، وأنا أدرك هذا الأمر بعقلي، ولكن بقلبي وبإحساسي لا أتخيل إيقاع الحياة في أخبار الخليج من دون عم لطفي. رحمك الله وأحسن مثواك يا شيخ الصحافة. النائب علي زايد: لطفي نصر.. قامة صحفية خسرته الصحافة البحرينية قال النائب الثاني لرئيس مجلس النواب علي زايد إن البحرين فقدت شخصية صحفية وقامة في المجال الصحفي بعد الخبر المفاجئ لرحيل الأستاذ لطفي نصر نائب مدير تحرير صحيفة أخبار الخليج الذي كان متميزًا في الطرح من خلال مقالاته وكتاباته المختلفة والتي تناولت شتى القضايا البحرينية والتحديات المختلفة، معربًا عن تعازيه الحارة لأسرة الفقيد ولصحيفة أخبار الخليج والصحافة البحرينية كافة. وذكر زايد أن الفقيد كان يحرص على حضور جلسات مجلس النواب وكان يتناول ما يدور في الجلسات بطريقة مختلفة وبتمعن شديد ويقرأ ما وراء السطور ويخرج بتحليل عام يسهم في دعم تحركات السلطة التشريعية في خدمة الوطن والمواطن، ويطرح نقدا بناء لأداء أعضاء مجلس النواب وما يتناولونه من مواضيع وما يطرحونه من مقترحات. وقال إن سنوات الخبرة الطويلة للفقيد أسهمت في دعم مسيرة الصحافة وتخريج وتدريب صحفيين تتلمذوا في صحيفة أخبار الخليج، وما قدمه الأستاذ لطفي نصر لأكثر من 30 سنة شاهد على حبه للبحرين وإخلاصه وما كان يتميز به من تفاؤل دائم بالنهضة الصحفية والحماس للتطوير والتحدي وبتاريخ حافل بالتميز. النائب حمد الكوهجي: خسرنا قامة صحفية كبيرة.. طالما عكست مقالاته هموم البحرينيين أعرب النائب حمد الكوهجي عن هول المفاجأة وعميق الحزن لرحيل الكاتب والصحفي الكبير الأستاذ لطفي نصر، ونعاه قائلا: «استقبلنا ببالغ الحزن والأسى خبر وفاة الاستاذ الكبير الصحفي لطفي نصر. نسأل الله ان يرحمه ويسكنه فسيح جناته. البحرين خسرت مع رحيله قامة صحفية وطنية كبيرة، أثر بقلمه في صقل الاحداث والفعاليات الكبرى وساهمت كلماته إيجابا في العديد من المنعطفات. عرفناه قلما صحفيا مساهما في العملية التنموية المستمرة منذ عقود، وداعما كبيرا للمشروع الاصلاحي لجلالة الملك المفدى. قلمه كان ضمير المواطن وصوت الوطن، ومقالاته عكست هموم البحرينيين في البطالة والتوظيف والتأمينات الاجتماعية وغيرها. وكان مضمون عموده «في الصميم» منطلقا لمواقف وتحركات النواب في العديد من القضايا. بالنسبة الى مقالاته المتصلة بالشأن البرلماني، كان ناقلا أمينا لما يدور تحت قبة البرلمان من مناقشات وتحركات، وناقدا موضوعيا عندما يرى عمل النواب يعتريه اي نقص او قصور.
مشاركة :