دمعة في وداع فارس الصحافة

  • 6/11/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

هناك أشخاص مميزون لهم مكانة خاصة في قلوب الناس، اكتسبوها من خلال أعمالهم وبصماتهم وتعاملهم وشخصياتهم وعلاقاتهم مع الناس، ما يجعلنا نذكرهم بكل احترام وخير وتقدير خلال حياتهم ونفتقدهم بعد رحيلهم ونسترجع بعضا من الذكريات الجميلة التي قضيناها معهم ونترحم عليهم والدعاء لهم ومن هؤلاء فقيدنا العزيز الأستاذ والكاتب الكبير لطفي نصر نائب مدير التحرير الذي انتقل إلى جوار ربه مساء يوم الخميس 25 رمضان 1440هـ الموافق 30 مايو 2019م عن عمر ناهز 82 عاما ووارى جثمانه الثرى في اليوم التالي بعد صلاة الجمعة في مقبرة المنامة وحضرها الكثيرون من أقاربه وأصدقائه ومعارفه وجموع من المواطنين الذين كانوا مصدومين بوفاة الفقيد ويترحمون عليه ويدعون له بالرحمة والمغفرة ويذكرونه بكل خير ومحبة. إن كلمات الرثاء صعبة على كل من عرف الفقيد الذي عُرف بإخلاصه وحبه للوطن وحكامه ومواطنيه ووافديه وقد أشاد صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر مرارا بدور الفقيد في خدمة البلاد وإسهاماته العديدة حيث بعث سموه برقيات تعزية لأبناء الفقيد والأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير والأستاذ عبدالمنعم إبراهيم مدير التحرير، كما قام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء بتقديم واجب العزاء وكان في استقباله الأستاذ أنور عبدالرحمن وأبناء وأقارب الراحل وأسرة أخبار الخليج وقد عبر سموه عن خالص تعازيه لأسرة الفقيد وأشار إلى مناقب الفقيد الوطنية المشهودة وحرصه على الاهتمام بالشأن الوطني وكتاباته الهادفة. لم يدر في فكري أن أنعى الفقيد الذي كان موجودا مع الجميع في أتراحهم وأفراحهم وكان الأب والأخ والمعلم والقدوة لكثير من معارفه وزملائه في العمل الصحفي أو خارجه حيث تميزت حياته بالعطاء المتواصل وترك بصمات أسهمت في الارتقاء بأساليب الحوار والتعامل مع الآخرين لما للفقيد من رؤية وفراسة وحلم وعلم وعقلية فذة وقدرة على الاستيعاب والاطلاع ومواكبة مختلف الأحداث المحلية والعالمية ما جعله أحد أعلام الصحافة وفرسانها حيث يعد الفقيد من أبرز كتاب الأعمدة والتحقيقات الصحفية والفعاليات الوطنية وخاصة مقالاته وتغطياته القيمة التي كان يقوم بإعدادها خلال شهر رمضان الكريم أثناء مرافقته للأستاذ أنور عبدالرحمن. فقد تميزت مقالات الفقيد ببساطة أسلوبها وطريقة كتابتها وتحليلاتها الرصينة والواقعية، ما أعطى مقالاته وخاصة عموده اليومي «في الصميم» والذي ينشر بشكل متواصل وأصبح سمة بارزة في صحيفة «أخبار الخليج» مصداقية لدى الجميع ولا يمكن نسيانه لأنه مفعم بالاحترام والحب والصدق فأصبح الفقيد معروفا ومقربا من الكثيرين الذين حرصوا وهم من مختلف الأعمار والأطياف والمستويات والمهن على متابعة ما يكتبه، ما أسهم في ترسيخ شخصية الفقيد في ذاكرة كل من عرفه وعاصره وأدى إلى تواصل وترحيب ومتابعة من المسؤولين وأصحاب القرار في مختلف المجالات ووصفوه بأنه إنسان رفيع الخلق وقامة رفيعة من القامات الصحفية في مملكة البحرين ومنهم معالي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية الذي نشر على حسابه في وسائل التواصل الاجتماعي تغريدة ناعيًا فيها الفقيد وقال: «رحم الله الأستاذ الفاضل والصحفي الأمين لطفي نصر الذي أحب البحرين واقتسم حياته مع أهلها الذين أحبوه». وقال السيد نبيل بن يعقوب الحمر مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام: «فقدت الصحافة البحرينية الصحفي الأخ لطفي نصر الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى وفقدنا زميلا مخلصا لمهنته وأعطى الكثير خلال عمله منذ وصوله إلى البحرين بداية السبعينيات فقد عشق البحرين وأحبها كبلده مصر». وقال الأستاذ أنور عبدالرحمن: «إن السر في نجاح الفقيد كونه صحفيا محترفا وغير مسيَّس وأن نجاح تجربتنا في المجالس الرمضانية نتيجة تكامل عقلين محايدين غير مؤدلجين» (مؤدلج تعني شخصا نشأ على أيديولوجية وأفكار معينة مغروسة فيه ومن الصعب تغييرها). وأشادت الأستاذة عهدية أحمد رئيسة جمعية الصحفيين بالفقيد الذي اعتبرته مدرسة صحفية تخرج في عباءتها عشرات الكوادر الإعلامية البحرينية على مدار سنوات عمله في البحرين» كما أشاد الكثيرون من مسؤولين وأفراد بالفقيد واسترجعوا آخر مقال له بعنوان «أوجاع الصحافة» وكأنه ينعى نفسه ويودع الصحافة التي أحبها وأحبته. لا أستطيع الكتابة عن الفقيد أكثر ما كتب ولكني أود أن أركز على ذكرياتي الشخصية عن الفقيد الذي عرفته مبكرا وقبل أن أبدأ كتابة بعض المقالات التي ينشرها الفقيد فقد كنت دائم التواصل معه من خلال زياراته في مكتبه بالصحيفة أو الحديث معه هاتفيا أو أثناء اللقاء في المجالس خاصة في مجالس شهر رمضان الكريم فقد كان الفقيد إنسانا بمعنى الكلمة قبل أن يكون صحفيا وكان الاحترام والتواضع والحب والود والرقي من سماته التي لا ينساها من تعامل وتواصل معه وهو إن شاء الله من الرجال الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) سورة الأحزاب الآية 23 وداعا للإنسان والأديب والكاتب وفارس الصحافة الذي عشق مهنة الصحافة وأخلص لها وتوفي وهو في طريقه إلى الصحيفة تاركا تراثا مهما لا بد من تسجيله وتوثيقه فسيرته غنية بالأحداث والعبر فقد كانت مقالاته المتنوعة بحق سجلا لمرحلة مهمة من تاريخ الصحافة البحرينية الحديثة ومرجعا تاريخيا يعتمد عليه وسوف يساعد الباحثين والمؤرخين والمهتمين بتاريخ الصحافة في رصد تلك الأحداث والفعاليات المتنوعة منذ سبعينيات القرن الماضي وخاصة عن إنشاء صحيفة «أخبار الخليج» حيث قال الفقيد عن انطلاق العدد الأول: جئت من القاهرة عام 1975 ضمن مجموعة من الصحفيين المصريين الذين طلب منهم وضع خبرتهم لتأسيس صحيفة «أخبار الخليج» وضم هذا الوفد كلا من المرحوم محمد العزب موسى الذي كان أول مدير تحرير لـ«أخبار الخليج» وسعيد نعمة الله رئيس القسم الخارجي ثم لحق بنا كل من أحمد عبدالغني ورفعت طنطاوي وسيد حجازي وسعيد عارف وكان معنا أيضا حافظ إمام وعينت رئيسا لقسم الأخبار بينما كان الزميل حافظ إمام رئيسا لقسم التحقيقات وأخذنا نعقد اجتماعات مع الراحل محمود المردي وأنور عبدالرحمن وأحيانا مع الراحل إبراهيم المؤيد وكانت هذه الاجتماعات للتخطيط للمولود القادم الذي يُدعى «أخبار الخليج» وقبل صدور العدد الأول كانت تصارعني المخاوف والهواجس فقد كنت أتساءل هل أستطيع أن أنجح في بلد صغير ومجتمع محدود؟ فلن أرضى بعد أن كنت نجما من نجوم أخبار اليوم ونائبًا لرئيس قسم الأخبار بنجاح أقل في البحرين وقد ذكر الفقيد أن من أسباب نجاح الجريدة ومواصلة مسيرتها القوية كإحدى الصحف القليلة المعدودة على الصعيد العربي بأنها احترمت نفسها وتشبثت بهويتها القومية العربية لا تحيد عنها أبدا ولا تتلون ولا تتغير فهي جريدة وطنية معطاءة من الطراز الأول وتخدم شعبا أبيا عريقا ونظاما قلما نجد له نظيرا على الصعيد العربي في خدماته وإخلاصه لوطنه وأرضه وشعبه وقادة أوفياء نذروا أنفسهم خدمة لوطن وشعب يستحقان منهم كل هذه البذل المتفاني والمخلص والنادر وأخذوا بيد هذا الشعب ورفعوا مكانته بين الأمم وأعطوه بسخاء رغم تواضع الإمكانيات. كان الفقيد يفتخر دائما برأي صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر في صحيفة «أخبار الخليج» ويكرر في كتاباته مقولة سموه الشهيرة التي يشيد فيها بمستوى ومصداقية الصحيفة حين يقول سموه: يكفيني قراءة «أخبار الخليج» وهي كلمات ستظل وساما على صدر هذه الصحيفة وكل العاملين فيها تحفزهم دائما على الاستمرار في العطاء بإخلاص ومهنية رفيعة لتظل عند حسن ظن كل محبي هذه الصحيفة. حاز الفقيد إعجاب الجميع لأن مقالاته تدخل إلى قلوب القراء لأنها صادرة من قلب محب لهم وقلم نزيه وموهبة في تقصي الأخبار والتنبؤ بالأحداث وإن شاء الله ستبقى ذكراه حاضرة لدى الجميع، فإن غاب عن عيوننا فلن تنساه قلوبنا ونتمنى من قيادتنا الحكيمة تكريم الفقيد لما قدمه من أعمال وكتابات أبرزت الوجه الحضاري لمملكة البحرين في مختلف المجالات. إن مواساتنا في مصابنا أن حقق الفقيد وزملاؤه في صحيفة أخبار الخليج حلمهم وحلم الشعب البحريني بأن يكون لهم صحيفة يومية ولتصبح إحدى أهم صحف مملكة البحرين. أسال الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يدخله في فسيح جناته ويلهم أهله ومعارفه ومحبيه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم عافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله وزد في إحسانه واغسله بالماء والثلج والبرد وارزقه عفوك وجميل لطفك يا رب يا رحيم. yousufsalahuddin@batelco.com.bh

مشاركة :