بعد 34 شهرًا من الضغوطات، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، استقالتها من رئاسة الحكومة، وهي لم تصل لهذه النهاية التعيسة بسبب سوء إدارتها وتعنتها، بل أيضاً نتيجة الظرف الاستثنائي وصعوبة المهمة، باعتبار أن ملف البريكست، يعد أصعب ما يواجه رئيس وزراء بريطاني منذ الحرب العالمية الثانية، وزرع الشقاق والخلافات داخل حزب المحافظين الحاكم، والطبقة السياسية، وكل بريطانيا ـ بحسب تقديرات الدوائر السياسية في لندن، التي كشفت عن أخطاء فادحة ارتكبتها «ماي» من بينها تقريب أعدائها منها أكثر من اللازم، فمنذ اليوم الأول عينت ماى فى حكومتها وزراء يختلفون معها أيديولوجيًّا بشكل كبير على أمل أن يتم «تغييرهم أيديولوجيًَّا» أو على الأقل «اتقاء شرهم»، لكن ما حدث على أرض الواقع هو أن حكومة ماي ظلت منقسمة حول إستراتيجية البريكست وسط معدلات قياسية للاستقالة، وبالتالي فشل رهانها على الجميع، لتصل إلى نهاية الممر بإعلانها استقالتها من منصبها اعتبارًا من السابع من يونيو/ حزيران المقبل، موضحة أنها ستبقى رئيسة وزراء لتصريف الأعمال حتى انتخاب خليفة لها.اشتهرت «ماي» بأنها تستطيع الصمود وسط ظروف شبه مستحيلة، لكنها في الحقيقة من بين أقل رؤساء الوزراء بقاءً في منصبهم في تاريخ بريطانيا.سباق زعامة مزدحم وفور أن وافقت ماي على المغادرة خلال أسابيع، هرع عدد من المرشحين لخلافتها لإعلان عزمهم خوض غمار سباق زعامة حزب المحافظين، وهناك إجمالاً نحو 20 مرشحا محتملا، بينهم 9 وزراء حاليون، و4 سابقون، إضافة إلى نواب بارزين فى البرلمان. وستتم طريقة الانتخاب بتصويت نواب حزب المحافظين فى البرلمان أولا على قوائم المرشحين، حتى تتقلص الخيارات وتنحصر عملية التصفية فى مرشحين اثنين فقط، ثم تجرى دورة الاقتراع الأخيرة بينهما والتي سيصوت فيها كل أعضاء الحزب ونوابه في البرلمان فقط.بسبب أوروبا سقطت تيريزا ماي كما سقطت مارغريت ثاتشر من زعامة حزب المحافظين.. وتغيير الوجوه لا يعني حلا لأزمة البريكست، فأي رئيس وزراء جديد لن يستطيع أن يمرر اتفاقية للبريكست بالتركيبة الحالية للبرلمان، وهذا يعني أن بريطانيا مقبلة على إجراء انتخابات عامة مبكرة. «المرشح الشعبي» و«مرشح التوافق».. الأبرز أبرز المرشحين لخلافة ماي: بوريس جونسون «المرشح الشعبي»، الذي استقال من حكومة ماي بعد معارضته الخطة التي قدمتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، ومايكل جوف وزير البيئة، «مرشح المؤسسة الحزبية»، ووزير الداخلية ساجد جاويد الذى قد يصبح أول مسلم يشغل منصب رئيس الوزراء البريطاني، وجيرمي هانت وزير الخارجية «مرشح التوافق»، وآندريا ليدسوم زعيمة حزب المحافظين في مجلس العموم التي استقالت من منصبها الأسبوع الماضي، ووزيرة الدفاع بينى موردنت، ووزيرة شؤون الخزانة ليز تراس، ووزيرة العمل والمعاشات السابقة استر ماكفي، وهن من أبرز الوجوه النسائية فى حزب المحافظين ومؤيدات قويات للبريكست، وهناك أيضًا دومنيك راب وزير البريكست السابق، وورورى ستيورات، وزير التنمية الدولية، وكلاهما بلا خبرة كبيرة، لكونهما شغلا منصب وزير لفترة وجيزة جداً. وبسبب طول قائمة المرشحين وأهمية اللحظة التاريخية، ليس من المتوقع أن يتم حسم الأمر فى أسابيع، بل خلال أشهر الصيف وعلى الأغلب لن يكون لبريطانيا رئيس وزراء جديد قبل سبتمبر/ أيلول، وهو موعد المؤتمر السنوي لحزب المحافظين، الذى يأتي فى المركز الرابع حالياً فى استطلاعات الرأي العام، والحزب لن يتحمل اختيار رئيس وزراء جديد لا يتمتع بالكفاءة أو القدرة على حمل العبء، لأن هذا معناه عملياً حرق مراكب الحزب مع الناخبين لعقود مقبلة.ويرى كبير المحاضرين في قسم السياسة والفلسفة والدين بجامعة لانكستر، مارك غارنيت، أن المرشح المفضل هو وزير الخارجية السابق بوريس جونسون. ومن المرجح أن يؤدي انتخاب رئيس وزراء جديد إلى انتخابات برلمانية مبكرة قبل نهاية العام.السباق انتهى قبل أن يبدأ ويؤكد الباحث السياسي البريطاني، ماثيو نورمان، أن السباق انتهى قبل أن يبدأ، وقد يصعد بوريس جونسون هذا الصيف إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا، وهو يعد المرشح المفضل للكثيرين، ففي الصفحة المخصصة للإحصاءات الحكومية الرسمية يتصدر بوريس قائمة المرشحين بنحو 39%، أي 3 أضعاف المؤيدين لدومينك راب زميله في الحزب والوزير السابق الذي يطالب بالخروج من الاتحاد الأوروبي.. ويقول المراقبون في لندن، إن وزير الخارجية البريطاني السابق، بوريس جونسون الشهير بـ«ترامب بريطانيا» لتوجهاته الشعبوية المتطرفة وبتسريحة الشعر القريبة من ترامب، أصبح على بعد خطوات من مقر رئاسة الحكومة البريطانية في المبنى رقم 10 دواننج ستريتز.«ترامب» البريطاني بوريس جونسون، معروف بأفكاره اليمينية المتطرفة، ويشتهر بتصريحاته الساخرة الاستفزازية إلى جانب تسريحة شعره الغريبة. ويشبهه البريطانيون بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولديه مواقف متشددة تجاه المهاجرين، ووصفه البعض بـ«العنصري المغرور»، وكان أحد دعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي وأحد محركي الدعوة للاستفتاء، وتوقع أن تكون نهاية الاتحاد الأوروبي مأساوية، وكان بوريس جونسون، من مؤيدي مقترح «ماي» للخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن بعد 48 ساعة من المقترح، قال إنه لا يستطيع الالتزام بدعم خطة ماي التي لا يؤمن بها، واستقال في شهر يوليو/ تموز 2018. ولد بوريس حونسون عام 1964، ودرس الآداب القديمة في جامعة أوكسفورد، وانتخب رئيسا لاتحاد الطلبة عام 1984. وبدأ حياته العملية صحفيا في ديلي تلغراف، ثم أصبح مراسلها للاتحاد الأوروبي، ونائبا للمدير، قبل أن يصبح مديرا لصحيفة سبيكتيتور، عام 199. وأكسبته مسيرته الصحفية شهرة ومنحته مكانة اجتماعية، فتحت له باب العمل السياسي، لينتخب عام 2001 نائبا في مجلس العموم، عن حزب المحافظين، وعين عام 2004 وزيرا للدولة مكلفا بالفنون، واضطر إلى الاستقالة، بعد انكشاف علاقته الغرامية مع بترونيلا وايت، لكنه عاد إلى الحكومة عام 2005، في منصب وزير للدولة مكلف بالتربية.يجيد اللعب بالكلمات اكتسب بوريس جونسون شهرة كبيرة وكثيراً من الأنصار عندما كان رئيسا لبلدية لندن، وبعدما تزعم حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وسبق أن توقع مراقبون توليه منصب رئيس الوزراء، وقيادة حزب المحافظين، بعد استقالة ديفيد كاميرون.. بينما انتقدت «ماي» جونسون لضعف قدراته على التفاوض عندما كان عمدة لندن، وقالت إن كل ما حصل عليه في مفاوضاته مع الألمان هو «رشاشات مياه»، ومنعته من استعمالها ضد المتظاهرين في الاحتجاجات، ولكنه استطاع أن يواجه العواصف التي اعترضت طريق مسيرته المهنية بفضل بلاغته الكبيرة، وقدرته على اللعب بالكلمات وتغيير المواقف الحرجة والصعبة لصالحه في كل مرة. أصله تركي مسلم بوريس جونسون، كان يحمل جنسيتين قبل تخليه العام الماضي عن الأمريكية.. والده ستانلي جونسون، هو ابن التركي الأصل Osman Kemal المولود في لندن، الذي غيّر اسمه بإضافة اسمين آخرين، فأصبح Osman Kemal Winifred Johnson وكان الابن الوحيد للتركي Ali Kemal الجد الأكبر لبوريس جونسون، وكان في مرحلة ما أحد وزراء الداخلية في السلطنة العثمانية، وفق تفاصيل بشأنه في موقع «ويكيبيديا» المعلوماتي، وما ذكرته صحيفة Demokrat Haber التركية، مرفقة بصورة له قديمة.. والجد الأكبر لبوريس جونسون، «علي رضا» ولد في 1867 بحي السليمانية في إسطنبول، وكان صحفيا وناشرا وشاعرا «يكتب مقالات وقصائد يوقعها باسم علي كمال» فانسحب عليه الاسم الفني وبقي معروفا به طوال حياته، وكان كثير الترحال، يغادر ويعود إلى تركيا سريعا، وأقام مدة بباريس، كما في القاهرة، وبعد زواجه في لندن عاد عام 1908 إلى تركيا، وغادرها فجأة لتسلمه تهديدات بالقتل، ثم رجع في 1912 ثانية إليها، ولم تمر 6 أشهر إلا ونفته السلطات العثمانية إلى النمسا، لما كان يكتبه من مقالات معارضة بصحيفة أسسها باسم “اقدام”.. وتولى علي كمال، حقيبة وزارة الداخلية مدة 3 أشهر فقط في حكومة “الصدر الأعظم” بالسلطنة العثمانية، وفي إحدى رحلاته المتكررة إلى سويسرا، تعرف إلى إنجليزية من أصل سويسري Winifred Brun وتزوجها.بوريس جونسون أصبح على عتبة مقر الحكومة البريطانية في المبنى رقم « 10 داونينج ستريت.»، رئيسا للحكومة ورئيسا لحزب المحافظين، في ظل «طقس متقلب» ومناخ غير مستقر، بحسب تعبير الدوائر السياسية في لندن، ليواجه رئيس الحكومة الجديد، إرثا من الأزمات والقضايا في مقدمتها البريكست وتداعياته.
مشاركة :