ما الذي يمكن أن يعجبك في وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون؟ يمكن دائماً الاعتماد على هذا الرجل كي يقودنا إلى الخذلان. كما أنه مدمن على الكذب، ما يجعله يحوز أدنى حد من ثقة الناس الذين يعرفونه حق المعرفة. كما أن وزيراً واحداً من الذين عملوا معه خلال وجوده في منصب وزير الخارجية يدعمه. وأشار أحد منافسي جونسون في منصب رئاسة الحكومة روي ستيوارت، إلى أن جونسون غير ملائم لإعطاء التعليمات المناسبة لقادة الغواصات النووية البريطانية، أي أنه لا يعرف كيفية التعامل مع قوى الردع البريطانية، وهي تهمة عادة توجه إلى قادة حزب العمال وليس إلى قائد محافظ. وهذا مختصر للأسباب التي يطرحها عدد من المحافظين عندما يصفون فكرة وصول جونسون إلى منصب رئيس الحكومة بأنها طائشة ومتهورة، فقد أصبح هذا الرجل الذي تحدث يوماً عن أنه سيصبح «ملك العالم» قريباً جداً من اعتلاء منصب رئاسة الحكومة البريطانية. وحقق جونسون في الجولة الأولى من التصويت عدداً من أصوات الأعضاء المحافظين في البرلمان أكبر من منافسيه الثلاثة مجتمعين. وهذا ما يجعل من المستحيل على منافسيه إخراجه من سباق الوصول إلى داوننغ ستريت، إلا إذا افتعل أمراً دمر به نفسه. فهل يقوم بذلك حقاً؟ والشعار الذي أُطلق على حملته الانتخابية يقول: «الوحيد الذي سيهزم بوريس هو بوريس ذاته»، ولهذا السبب فقد حدَّ فريقه الانتخابي من ظهوره أمام الإعلام، نظراً إلى أن الرجل قد أكثر من الظهور أمام الإعلام. ويتساءل زملاؤه في البرلمان عن الأسباب التي جعلته ينجو حتى الآن من كثرة الفضائح التي تعرض لها. وإحدى أهم مميزات جونسون هي قدرته على الصمود والخروج من مشكلات يمكن أن تقضي على أي سياسي آخر. وينظر إليه المراقبون من الخارج بتشكك، ولكنّ ثمة تفسيراً عقلانياً لنجاحه، إذ إن أحد المكونات لذلك هو الشعور العارم بين أعضاء البرلمان المحافظين بأن قائدهم المقبل سيكون شخصاً قام بحملة من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست). وهذا الاعتقاد لن يؤمن له دعم المحافظين فقط، إذ إن عدداً من معارضي انسلاخ بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي يحملون الاعتقاد ذاته. وهذا يفسر سبب عدم حصول وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت، على عدد مقبول من الأصوات، كما كان يعتقد، لأنه لا يؤيد انسلاخ بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. وتبدو حملة جونسون الانتخابية أكثر مهارة من الجهود التي بذلها قبل ثلاث سنوات، حيث تتضمن حملته غافين ويليامسون الذي كان شخصاً مؤثراً في وصول رئيسة الحكومة المستقيلة تيريزا ماي إلى السلطة عام 2016، وأندرو ميتشل الذي كان شخصاً مؤثراً في حملة رئيس الحكومة السابق ديفيد كاميرون عندما خسر الانتخابات عام 2005، ويعلم هذان الرجلان ما عليهما تجنبه، وما الذي يجب فعله من أجل الفوز. ويبدو ستيوارت أمام غير المحافظين أنه المنافس على منصب رئيس الحكومة الذي يلفت الانتباه بقوة، إذ إن حملته الانتخابية المميزة جعلته يبدو مثل نجم بارز. ولكن لسوء الطالع لن يقدم له غير المحافظين أية فائدة لأن التصويت داخل الحزب ذاته فقط. وفشل هانت في محو الصورة التي يحملها الآخرون عنه باعتباره نسخة أكثر رقة ولطفاً من تيريزا ماي في منافسة ينبغي فيها أن يكون مختلفاً تماماً عن رئيسة الحكومة السابقة قدر المستطاع. وتاريخياً، يكون القادة الناجحون غالباً هم الذين يستطيعون دمج قصة شخصية مقنعة مع خطاب يتحدث عن تحقيق الفرص. ويحاول المنافس على المنصب ذاته ساجد جافيد، أن يطبق هذه الوصفة، ولكنه لم يستطع إقناع الأشخاص الذين يجب عليه التأثير فيهم. وحاول المنافس دومينيك راب ما في وسعه لأن يبدو متشدداً لقضية البريكست، إلا أنه أثار غضب الكثير من أنصاره، عندما قال إنه مستعد لمحاولة حل البرلمان من أجل البريكست، ومن دون اتفاق. ولكن من المفروض أن تكون هذه المنافسة من أجل الوصول إلى رئاسة الحكومة في دولة ديمقراطية وليس إلى ترأس طغمة حاكمة في واحدة من جمهوريات الموز. ولايزال المنافس مايكل غوف يكافح من أجل استعادة توازنه والإجابة عن التهمة بالنفاق بعد أن أُجبر على الاعتراف بأنه تعاطى المخدرات التي تذهب بالعقل. وفي مثل هذه المنافسات عادة ما يعود الزخم إلى الدفع الذاتي، ويقول فريق جونسون لأعضاء البرلمان المحافظين، إنه يجب عليهم المشاركة بسرعة في المنافسة قبل أن يفوت الأوان. ومن خلال محادثاتي مع أعضاء حزب المحافظين استنتجت أن غوف هو المنافس الأكثر إثارة لقلق معسكر جونسون، ولا يحبذ فريق جونسون أن يكون غوف هو الذي سيدخل في منافسة أخيرة مع جونسون، وإنما يرغبون أن يكون منافساً آخر وليكن هانت. وربما يكونون قادرين على تدبير هذه المنافسة بين هانت وجونسون عن طريق الإيعاز إلى أنصار جونسون كي يقدموا الدعم إلى هانت لضمان تغلبه على غوف في المراحل الأخيرة للتصويت البرلماني. إمكانية الفوز ولكن يستطيع جونسون تحقيق الفوز دون تقبل العديد من أعضاء البرلمان المحافظين التوقف عن التشكك فيه، وهم يعملون بجد كي يقنعوا أنفسهم بأنهم سيحصلون على نسخة من بوريس جونسون التي يحبونها لا تحوي أياً من السمات التي تثير امتعاضهم، وبناء عليه فإنه يحصل على دعم أنصار «بريكست»، الذين يدعون أنه سيقدم النسخة التي يفضلونها عن مشروع الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. وسيحصل على الدعم أيضاً من المحافظين المستعدين أن يقنعوا أنفسهم بأن هذا الرجل الذي عمل في منصب محافظ لندن هو شخص ليبرالي وسطي. ولكن هذا التحالف من المؤيدين لجونسون مملوء بالتناقضات الأيديولوجية، حيث قدم هذا الرجل حتى الآن العديد من الوعود التي لا يستطيع الالتزام بها. ولا يتخيل أحد أن أعضاء البرلمان من المحافظين غير مدركين لذلك. ويدرك الواعون منهم بصورة جيدة لذلك، خصوصاً أنهم يعلمون تماماً أن جونسون يمثل مقامرة جامحة يمكن أن تتحول إلى كارثة بالنسبة لكل من حزبهم ودولتهم. ولكنّ ثمة لاعباً مهماً جداً لابد من ذكره وهو رئيس حزب البريكست نيجل فاراج، الذي وإن لم يكن من حزب المحافظين إلا أنه يلعب دوراً مهماً في دفع جونسون الى منصب رئيس الحكومة البريطاني. ويعتبر فاراج الشخص الأكثر تأثيراً في هذا السياق، فهو مغناطيس عملاق يعمل على جذب الأصوات باتجاه جونسون. مصدر بهجة ولكن إذا خيّب جونسون توقعات الجميع وبقي على عادته، وهذا على الأقل ما أسمعه من أعضاء حزب المحافظين، فإن فترة حكمه في مجلس الوزراء ستكون مصدر «بهجة وفرح للجميع»، فعندما يبدو حزبك انه ذاهب إلى الجحيم، فمن المتوقع منك أن تركض معه وأنت مبتسم. ولكني أحذركم بعدم تكرار ذلك على الملأ لأنكم لن تجدوا الكثير من أبناء الأمة من يضحك معكم. أندرو رونسلي كبير المعلقين السياسيين في «الأوبزيرفر» يستطيع جونسون تحقيق الفوز دون تقبل العديد من أعضاء البرلمان المحافظين التوقف عن التشكك فيه.وهم يعملون بجد كي يقنعوا أنفسهم بأنهم سيحصلون على نسخة من بوريس جونسون التي يحبونها لا تحوي أياً من السمات التي تثير امتعاضهم. ينظر المراقبون من الخارج إلى جونسون بتشكك، لكن الشعور العارم بين أعضاء البرلمان المحافظين بأن قائدهم المقبل سيكون شخصاً قام بحملة من أجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :