"زنقة الريح" طريق الليبيين للهروب من الحرب إلى التاريخ

  • 6/4/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يحاكي مسلسل “زنقة الريح” بقالب الدراما التاريخية، حقبة وصاية بريطانيا التي كانت مفروضة على طرابلس الليبية قبل أكثر من 70 عاما، مداعبا شغف الليبيين وولعهم بحقبة فاصلة في تاريخ بلادهم الحديث، بعيدا عن كابوس الحرب الدائرة اليوم جنوب العاصمة. ويعد المسلسل من الأعمال غير المألوفة في ليبيا حيث عرض خلال شهر رمضان، ونال استحسان طيف واسع من الليبيين وأثار ضجة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. المسلسل عبارة عن دراما من عشرين حلقة، تدور أحداثها حول السكان الطرابلسيين عام 1945، وتبرز معاناتهم في ظل حكم بريطانيا عقب هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية. كما يسلط الضوء على الحياة الاجتماعية آنذاك، والعادات والتقاليد التي كانت سائدة بين جميع مكونات المجتمع بمختلف الأديان والأعراق، خصوصا العلاقة بين العرب واليهود. يقول مخرج المسلسل الليبي أسامة رزق الذي له سجل أعمال درامية حافل منذ أكثر من 15 عاما، إن مسلسل “زنقة الريح ناقض صورة نمطية للدراما الليبية التي لم تهتم عادة بمثل هذه الأعمال ذات الطابع التاريخي العميق”. وشارك في المسلسل 150 ممثلا معظمهم ليبيون، مع آخرين من تونس. وهو عمل ضخم الإنتاج، وتطلب عملا واستقصاء مضنيين قبل تنفيذه. وطردت قوات الحلفاء في العام 1943 الجنود الألمان والإيطاليين من ليبيا، ووقعت طرابلس تحت حكم إدارة عسكرية بريطانية، حتى استقلال ليبيا عام 1951. ويروي رزق كيفية تبلور فكرة العمل ومراحل إنتاجه، فيقول “قبل عامين تقريبا تواصل معي الفنان الليبي حاتم الكور، وعرض علي نصا للكاتب الكبير عبدالرحمن حقيق كتبه عام 2008. وبعد قراءته، تحمست كثيرا خصوصا أن حلمي كان إخراج مسلسل تاريخي يروي حقبة طرابلس القديمة”. ويضيف “بعد تحقيق تاريخي وتجهيز واختيار فريق العمل، بدأنا نهاية العام الماضي تصوير المسلسل في تونس، وتمّ الانتهاء منه في أبريل الماضي”. وعن أسباب اختيار تونس للتصوير، يقول “للأسف، حتى لو توافرت ظروف أمنية لإنتاج مثل هذا العمل في ليبيا، فإن المدينة القديمة (في طرابلس) لا تصلح في الوقت الراهن للتصوير، نظرا إلى التشوّه البصري الناتج عن البناء العمراني الحديث الذي طمس معالمها. لذلك تمّ اختيار تونس لتقارب معمارها القديم من معمار طرابلس”. وأنتجت المسلسل شركة إنتاج محلية لصالح قناة “السلام” الليبية الخاصة، وكلّف الإنتاج ملايين الدينارات، بحسب مخرج العمل. تعدّى الثناء والإشادة الواسعة بالعمل الدرامي “زنقة الريح” أوساط الليبيين إلى أوساط عربية وحتى دبلوماسية؛ فقد نشر السفير البريطاني في ليبيا مارتن رينولد تغريدات عبر حسابه على تويتر أكد فيها استمتاعه بمشاهدة مسلسل “زنقة الريح”. وأشار السفير البريطاني إلى أن “العمل يقدم نبذة شيقة عن التاريخ والثقافة الليبيّين”. وأكد الصحافي والكاتب المصري شريف صلاح أنه بعد متابعته عشرة مسلسلات تقريبا، يرشح المسلسل الليبي كواحد من الأعمال المحترمة في رمضان على مستوى الإنتاج والإخراج والتصوير وأداء الممثلين. وقال في تدوينة له إن “المفاجأة الحقيقية أنه في ليبيا وفي ظـل الاحتراب الأهلي والطمع الدولي وعقود القذافي العجاف، تُقدَّم دراما باحتراف”. أما الكاتب الليبي سراج هويدي الذي شارك في أعمال سابقة مع المخرج رزق، فأكد أن المسلسل “مشروع لتطوير الدراما على المستوى الإقليمي”. ويضيف “يسرني النجاح الذي يحققه زنقة الريح، وأعتبره امتدادا لمشروع تطوير الدراما الليبية”، مؤكدا أن هذا المشروع “لن يتوقف حتى تأخذ الدراما في ليبيا مكانتها الصحيحة في محيطها الإقليمي”. ويقول أسامة رزق“سعيد بالمساهمة في عمل درامي أبعد الليبيين ولو قليلا عن ضغوط الحرب، وجعلهم فخورين بتاريخ يعبر عن اللحمة الـوطنية بين مختلف أطياف الشعب ومكوناته”. وتشن قوات المشير خليفة حفتر منذ الرابع من أبريل هجوما للسيطرة على طرابلس حيث مقر حكومة الوفاق المدعومة دوليا. ومع اقتراب المعارك من إنهاء شهرها الثاني، تسببت حتى الآن في سقوط 562 قتيلا وإصابة 2855 شخصا بجروح، بحسب منظمة الصحة العالمية في ليبيا. وذاع صيت “زنقة الريح” ليصل إلى جبهات القتال جنوب طرابلس حيث كان مقاتلون يتابعونه بشغف أثناء استراحة الإفطار، ما يؤكد على أهمية الدراما والفنون عموما في نبذ العنف ومجابهة الحروب.

مشاركة :