توقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب توصل بلاده إلى "اتفاق تجاري مهم للغاية" مع بريطانيا بعد "بريكست" خلال لقائه أمس مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في لندن، حيث تجمع ناشطون مناهضون لسياساته. وبحسب "الفرنسية"، قال ترمب مازحا لرئيسة الحكومة البريطانية التي أعلنت استقالتها إن عليها "البقاء" وإقامة تحالف اقتصادي أقوى مع الولايات المتحدة عندما تغادر بلادها الاتحاد الأوروبي. وأضاف ترمب لماي خلال اجتماع حضره رؤساء كبريات الشركات التجارية ووزراء "أثمن كثيرا العلاقة بيننا.. وأعتقد أننا سنتوصل إلى اتفاق تجاري مهم للغاية. سيكون اتفاقا منصفا جدا، نريد إنجازه وسننجزه"، ورغم انتقاده مرارا لاستراتيجية ماي بشأن "بريكست"، إلا أن ترمب أكد أنها قامت بـ"عمل رائع". وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، قال ترمب في لندن: "الولايات المتحدة تشعر بالالتزام حيال إبرام اتفاقية تجارة حرة مثيرة للإعجاب مع بريطانيا"، مشيرا إلى أن هذه الاتفاقية من شأنها أن تزيد من حجم التجارة المشتركة بين البلدين بمقدار الضعف أو ثلاثة أضعاف ما هي عليه الآن. وأضاف أن كل طرف من أمريكا وبريطانيا يمتلك حاليا استثمارات أجنبية بقيمة تتجاوز تريليون دولار في الدولة الأخرى، وكل دولة من الدولتين تعد أكبر مستثمر أجنبي في الدولة الأخرى، مشيرا إلى أنه "ثمة إمكانية هائلة، كل شيء سيتم طرحه على الطاولة بما في ذلك النظام الوطني للخدمات الصحية للبريطانيين الذي تشهد بريطانيا أكبر قدر من الجدل حول خصخصته". وحسب خبراء، فإن القطاع المالي في الدولتين الذي يمتلك أكبر المراكز المالية في العالم في كل من لندن، "وول ستريت" في نيويورك، يأتي في طليعة القطاعات التي تتطلع إلى إبرام هذه الاتفاقية. ويرتبط بدء المفاوضات بين الدولتين بشأن هذه الاتفاقية بخروج بريطانيا أولا من الاتحاد الأوروبي، كما أن بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الجمركي في أوروبا يمثل عائقا أمام خطط اتفاقية تحرير التجارة مع أمريكا. ومن جهتها، أشادت تيريزا ماي بـ"الصداقة القيمة والوطيدة" بين بريطانيا والولايات المتحدة من البلدين يتشاركان في قيم ديمقراطية ومصالح. وعلى مقربة من موقع الاجتماع، أطلق ناشطون يساريون بالونا برتقالي اللون يظهر ترمب كرضيع يرتدي حفاضة خلال مسيرة في خارج مبنى البرلمان في لندن أوقفت حركة السير في العاصمة. وشكل إطلاق البالون شارة بدء تظاهرات يتوقع أن تكون حاشدة ضد سيد البيت الأبيض في اليوم الثاني من زيارة الدولة التي يجريها لبريطانيا وتستمر ثلاثة أيام. وقال منظم المسيرة ليو موراي "ترمب الرضيع هو عبارة عن رمز لحركة ضخمة مناهضة لسياساته التي تزرع الكراهية والانقسامات". وتتركز زيارة ترمب التي تستمر ثلاثة أيام حول إحياء الذكرى الـ75 لإنزال النورماندي، لكنها تأتي في وقت تعيش بريطانيا اضطرابات سياسية إذ تستقيل ماي من زعامة الحزب المحافظ الحاكم جراء إخفاقها في تنفيذ "بريكست" على الرغم من عدم تركيزها على أمور كثيرة أخرى طوال سنواتها الثلاث في المنصب. وستبقى رئيسة للوزراء إلى حين العثور على بديل لها بين 13 مرشحا سيتعين على الفائز فيهم اتخاذ قرارات صعبة قبيل حلول مهلة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي في 31 تشرين الأول (أكتوبر)، بعد أن تأجلت مرتين. وقبيل وصوله، حض ترمب بريطانيا على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وأشار إلى أن بوريس جونسون وزير الخارجية السابق المؤيد لـ"بريكست" سيكون خيارا "ممتازا" لرئاسة الحكومة وإتمام عملية الانسحاب. لكنه بدا وكأنه يحاول تصحيح زلته التي تفتقد إلى اللباقة الدبلوماسية، فقال مخاطبا ماي "أود أن أهنئك نيابة عن الشعب الأمريكي على العمل الرائع وكان من المشرف لي أن أعمل معك". لكن "العلاقة الخاصة" بين الطرفين تخضع لاختبار مرتبط بنهجي البلدين المتباينين حيال إيران والتغير المناخي والصين. ويتوقع أن تتطرق المحادثات إلى استخدام بريطانيا المحتمل لتكنولوجيا مجموعة "هواوي" الصينية لتأسيس شبكات الإنترنت من الجيل الخامس (5 جي). وأفاد مسؤول حكومي بريطاني لصحيفة "ذي تايمز" أن ماي لن تقدم "أي اعتذارات" بشأن قرارها الذي تحدثت عنه تقارير إعلامية بالسماح لـ"هواوي" بصناعة بعض المكونات غير الأساسية في خدمة الهواتف المتحركة من الجيل المقبل. وألمحت الإدارة الأمريكية إلى أن ذلك من شأنه أن يحد من قدرتها على مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع بريطانيا. وذكرت ماي مع رؤساء المجموعات التجارية أن بريطانيا ستسعى إلى عقد "شراكة اقتصادية أوسع" مع أبرز شريك تجاري لها خارج الاتحاد الأوروبي، مضيفة أنها "شراكة كبيرة لكنني أعتقد أنه بإمكاننا تطويرها أكثر". وقدمت ماي للرئيس الأمريكي نسخة من إحدى أهم الوثائق عن "العلاقة الخاصة" عبر الأطلسي- وهي نسخة مؤطرة من مسودة ونستون تشرتشل الخاصة من ميثاق الأطلسي 1941 الذي حدد أهداف الحلفاء ما بعد الحرب العالمية الثانية. وسيجري ترمب جولة خاصة برفقة ماي في "غرف حرب تشرتشل" التي أدار رئيس الوزراء البريطاني في زمن الحرب عملياته منها، ويتوقع أن ترافق محادثاتهما أصوات "تظاهرات صاخبة" لآلاف الناشطين المناهضين لترمب. من جهته، يثق ترمب "تماما" في إمكانية التوصل إلى اتفاق مع المملكة المتحدة حول مشاركة مجموعة هواوي الصينية في تطوير شبكة الإنترنت من الجيل الخامس في بريطانيا، الأمر الذي لا تنظر إليه واشنطن بارتياح. وأضاف "أنا متأكد تماما من أنه سيكون لدينا اتفاق"، وتهدد واشنطن الحلفاء في الغرب بالحد من تبادل المعلومات الاستخباراتية إذا أشركوا "هواوي" في شبكات الجيل الخامس. وتعهد جيريمي كوربن زعيم حزب العمال المعارض بإلقاء خطاب أثناء المسيرة بعدما تغيب عن مأدبة استضافتها الملكة إليزابيث الثانية في قصر باكنجهام احتجاجا على سياسات ترمب. وأشار إلى أن التظاهرة تشكل "فرصة للتضامن مع أولئك الذين هاجمهم ترمب في أمريكا وحول العالم وحتى في بلدنا". وسعى الرئيس الأمريكي إلى التقرب من مرشحين لخلافة تيريزا ماي، واتصل ببوريس جونسون واتفق مع أحد منافسيه الرئيسين على إجراء محادثات، بحسب مصادر سياسية بريطانية. وأجرى الرئيس الأمريكي محادثة هاتفية لمدة 20 دقيقة مع وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون الذي كان سيد البيت الأبيض قد أكد أنه سيكون رئيس حكومة "ممتازا". وقال مصدر إن المحادثة كانت "ودية وبناءة" مؤكدا أن جونسون اعتذر عن قبول عرض قدمه الرئيس الأمريكي لعقد لقاء ثنائي معه، لأن الاجتماع يتعارض مع أولى جلسات نقاش مرشحي حزب المحافظين الطامحين لخلافة ماي. وتتخلى ماي رسميا الجمعة عن رئاسة حزب المحافظين، وقد أعلن نحو عشرة مرشحين نيتهم الدخول في منافسة لخلافتها يتوقع أن تستمر حتى أواسط تموز(يوليو). وقال مصدر مقرب من وزير البيئة مايكل جوف إن عضوا في فريق ترمب طلب عقد لقاء معه، وتابع المصدر "لقد وافق. لكن أي موعد لم يحدد بعد". ووجه ترمب مرارا انتقادات للاستراتيجية التي اعتمدتها ماي في ملف "بريكست"، وقد حض قبيل زيارته رئيس الوزراء المقبل على جعل الخروج من دون اتفاق خيارا مطروحا. وأعلنت 13 شخصية بريطانية خوض السباق لخلافتها لكن مساعد وزير "بريكست" جيمس كليفرلي أعلن انسحابه لعدم نيله التأييد الكافي من زملائه. وستتم غربلة المرشحين نهاية الأسبوع المقبل ليتنافس بعدها اثنان على رئاسة حزب المحافظين في سباق سيحسم في اقتراع يختار فيه نحو مائة ألف عضو في الحزب رئيسا جديدا للمحافظين. وسيتولى الرئيس الجديد لحزب المحافظين تلقائيا رئاسة الحكومة من دون الحاجة لإجراء انتخابات، ويشكل ملف "بريكست" نقطة الفصل في السباق الذي يتصدره جوف وجونسون اللذين كانا من أبرز دعاة الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء 2016.
مشاركة :