نستطيع القول بأن نجاح القمة العربية الأخير في شرم الشيخ قد أعاد الروح للبيت العربي، وأصبح بالإمكان مواجهة المستجدات والمتغيرات الإقليمية والدولية، التي كادت أن تعصف بكيانه، هذا النجاح وصفه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بقوله: «ضخ دماء الأمل والتضامن في شرايين العالم العربي المشترك في الذكرى السبعين لرفع لواء جامعتنا العربية العريقة وفي بلورة أهداف سنعمل على تحقيقها».. وبقراءة متأنية للبيان الختامي نستنتج بأن القمة العربية حققت قدرًا كبيرًا من الارتباط الداخلي بين الدول الأعضاء، وهو ما لم يتم التوصل إليه طوال السنوات الماضية، رغم توفر المقومات الجوهرية التي من بينها التواصل الجغرافي، الذي يساهم في مساعدتها على تحقيق أهدافها، وفي مقدمة ذلك النجاح الموافقة على إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة، والتضامن قولا وعملا، وصياغة مواقف مشتركة لمواجهة التحديات، فوجود قوة عسكرية عربية مشتركة من شأنه أن يؤكد أن حدود أعضائه بمنأى عن المخاطر، كما يقلل من دوافع أي غزو خارجي لها لقدرتها على الردع. لم يكن هذا الاتفاق الذي أجمع عليه العرب يتنافى مع القوانين الدولية، فهناك أحلاف عديدة أملتها الحاجة لرغبة الدول في أن تنعم بالأمن والاستقرار، مثل «الناتو» الذي قام على أساس وجود رغبة قوية لربط أوروبا الغربية بأمريكا الشمالية في مواجهة الخطر السوفيتي آنذاك، وأيضا هناك منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، الذي يضم كل الدول الأوروبية كشركاء متساوين، لتشعر هذه الدول بأن أمنها يحظى بالاهتمام وعلى قدم المساواة. إن التحالف الذي ظهر في عاصفة «الحزم»، والتي كان هدفها إعادة الشرعية إلى اليمن الشقيق، الذي تهدده حرب أهلية، أثبت ضرورة أن تكون هناك قوى عربية شرعية مشتركة تفرض الأمن وتمنع التدخل الخارجي في شؤون الدول الأعضاء، لاسيما وأن هناك دول تتطلب ديموغرافيتها مثل هذا التعاون المشترك، لأنها تواجه صعوبة في الدفاع عن نفسها في وجه أية قوة طامعة في التوسع أو الاحتلال على حسابها، وإذا كان قرار إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة قد جاء متأخرًا، فإن قرار دول التحالف بالتدخل في أحداث اليمن جاء مناسبًا من حيث التوقيت؛ ليُطهِّر اليمن من الحوثيين، ويغلق الباب أمام الإيرانيين، ويمنعهم من أن يسيطروا على اليمن، لكيلا يلحق البلد الشقيق بما يجري في كل من سوريا وليبيا التي تُمزِّقها الحروب الأهلية، والتي عادة ما تنتهي إما بتصفية طرف للطرف الآخر، أو الاستسلام المشروط من أحد الأطراف. ليس مهمًا أن نتساءل: متى يتوقف القصف على ميليشيات الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي صالح، بل المهم هو تأثير تلك الضربات على معنويات وقدرات الانقلابيين على الشرعية بحيث لا تقوم لهم قائمة، فتأديب «ميلوزوفيتش» دام 78 يوما، استسلم بعدها ووافق على الانسحاب من كوسوفو مجبرا، و(الحوثي) و(ميلوزوفيتش) وجهان لعملة واحدة. hnalharby@gmail.com
مشاركة :