«بجماليون»... الكوميديا تعري الواقع

  • 6/16/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود تدور مسرحية «بجماليون»، للأديب والمسرحي الشهير جورج برنارد شو، حول عدة مواضيع؛ منها: صراع الفن والحياة، والأسطورة والواقع، والكمال والنقصان، والحب والفقر، الطمع وانعدام القناعة، وهي تعد من أجمل المسرحيات العالمية، وقد وجدت صدى كبيراً في المشهد الثقافي العالمي، ويذكر أن توفيق الحكيم له مسرحية تحمل الاسم ذاته بمعالجة غاية في الإبداع؛ لكن الحكيم لم يعترف بتأثير مسرحية شو؛ حيث اتجه مباشرة نحو الأسطورة اليونانية لشخصية بجماليون كما فعل الأديب الأيرلندي. تقول الميثولوجيا الإغريقية والرومانية القديمة: إن رجلاً يُدعى بجماليون، كان نحّاتاً عظيماً يكره النساء، فصنع تمثالاً من العاج؛ يمثل امرأة جميلة، زينها باللباس الغالي واللؤلؤ والجواهر، ووقع في حبها، وتمنى أن تصبح فتاة حقيقية؛ ليتزوجها، ولئن كان توفيق الحكيم قد استلهم من القصة عملاً فلسفياً حول صراع الحياة والفن، فترجمه إلى نص مسرحي؛ فإن شو قد صنع رؤيته الخاصة حول الأسطورة، وجعلها موضوعاً للصراع الطبقي في المجتمع الإنجليزي المخملي؛ لتتحول بدورها إلى عمل سينمائي، بعنوان: «سيدتي الجميلة»، كما ألهمت الأسطورة العديد من الأدباء والفنانين التشكيليين، فترجموها إلى أعمال إبداعية وفنية. وقد عرضت مسرحية شو لأول مرة عام 1913، وتدور أحداثها حول قصة البروفيسور هنري هيجينز، الذي يعمل أستاذاً في علم الصوتيات، ويريد أن يجعل من فتاة فقيرة تبيع الورد اسمها إليزا دوليتا، ضمن سيدات الطبقة الراقية؛ حيث راهن صديقه على أنه يستطيع أن يغير من طبيعة تلك الفتاة التي تتحدث بطريقة سوقية ويهيئها؛ لأن تتقمص شخصية دوقة في حفل يقام في حديقة أحد السفراء؛ وذلك عبر تعليمها التقاليد والسمات الأرستقراطية في العيش، وبصورة خاصة في التحدث بشكل سليم، وبالأسلوب الذي تتحدث به أرقى سيدات المجتمع. وقد أعجبت الفتاة بالفكرة، وانخرطت في المجتمع الجديد، وكانت شديدة الذكاء، إلا أنها تبدأ رويداً رويداً تعاني صراعاً نفسياً؛ بسبب هذه النقلة الكبيرة، فهي تشعر وكأنما قد اقتلعت من جذورها، لتُغرس في أرض جديدة، وداخل تفاصيل المجتمع المخملي المعقد وغير العفوي، تعيش إليزا دوليتا صراعاً بين وضعها الجديد، وتناقضه مع القيم التي نشأت عليها، وعلى الرغم من أن أستاذها هيجينز قد أعجب بها، ووقعت هي في حبه؛ لكنه كان الحب المحكوم عليه بالفشل، خاصة من ناحية اختلاف المنبت الاجتماعي، وكذلك فإن هيجينز لم ير فيها غير تجربة ناجحة للنموذج الذي صنعه بنفسه، كما أن الفتاة نفسها كانت قد كرهت هذا العالم الأرستقراطي المزيف، الذي لا يقيم وزناً للمشاعر، ففضلت الهروب منه إلى طبقتها؛ بحثاً عن الأمان في المكان الحقيقي الذي تشعر بالانتماء إليه. عالجت المسرحية قضية مهمة؛ وهي مسألة استقلالية المرأة بعيداً عن الرجل، فالعرض أراد أن يقول إن للنساء كينونتهن المستقلة، فشو يسخر بشكل كبير من نظرة المجتمع البرجوازي تجاه المرأة. نجح شو في صناعة عرض ساخر، توظف فيه الكوميديا كسلاح نقدي شديد الأهمية وأكثر ما أغنى هذا العرض وجعله بهذه الشهرة؛ أنه تضمن العديد من التقنيات والحلول المسرحية، كما أن الممثلين تقمصوا شخصيات من الواقع البريطاني وعكسوا تباينه، شخصيات بسيطة ذات أحلام وآراء متنافرة، غير أن التوظيف الأمثل في العرض كان في مجال اللغة؛ فهناك لغتان الأولى تشير إلى الطبقة الأرستقراطية؛ وفيها كثير من التصنع، بالمقابل نجد لغة عفوية منطلقة عند الطبقات الفقيرة وإن كانت تحمل ألفاظاً وكلمات سوقية؛ لكنها قوية تعبر عن الحالة النفسية والمزاجية الطبيعية لدى الأشخاص، ليقدم شو من خلال كل ذلك عرضاً يحتشد بالأفكار والآراء المتمردة، كما يقدم رؤية فلسفية حول المجتمع والحياة.

مشاركة :