لسنا دعاة حرب - د. طلال بن سليمان الحربي

  • 4/5/2015
  • 00:00
  • 26
  • 0
  • 0
news-picture

في ضوء هذه الأوضاع الخطيرة، وجدت قيادة المملكة نفسها أمام استغاثة الشرعية في اليمن حكومة وشعباً، مما اضطرها لتقليم أظفار هؤلاء العابثين وتحجيمهم ووقف تخريب البلاد وإرهاب العباد والاستقواء بإيران لا يوجد في هذا العالم إنسان سوي يحب الحرب والقتل، لكن الدول قد تجد نفسها مضطرة لدرء المفاسد لإبعاد الخطر عنها أو لرد عدوان خارجي على أراضيها أو لنجدة حلفائها أو للقضاء على فتنة تتهددها. لنجد في الحل العسكري الذي قادته المملكة بتحالف خليجي وعربي، بتأييد دولي، ضد مواقع الحوثيين والمخلوع علي عبدالله صالح مثالاً على ذلك. فلقد عُرفت المملكة منذ تأسيسها قبل أكثر من مئة عام بأنها دولة مسالمة ولم يحدث وأن دخلت في حروب مع أحد حتى وإن اختلفت معهم. وقد أصبحت دبلوماسية التعايش واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية سياسة التزمت بها القيادة السعودية منذ عقود طويلة. فعلت قيادتنا ذلك وما تزال استجابة لروح العصر ولإظهار الوجه الحضاري لبلد تهوي إليه قلوب الملايين من البشر. ونعمت المملكة طوال هذه المدة بنعمة الأمن والاستقرار على الرغم من المحاولات الكثيرة التي جرت لزعزعة هذا الاستقرار. وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط، ولا تزال، مخاضات وقلاقل وحروباً ونزاعات كثيرة، لكن القيادة السعودية نجحت في تحصين جبهتها الداخلية ومنعت امتداد الخطر الخارجي عبر حدودها. لكن هذا القيادة كانت لها رؤيتها الاستشرافية، فكانت تعرف أن للدول والحركات السياسية مشاريع ومخططات تنتظر الفرص للتنفيذ، ولهذا كانت تعدّ القوات المسلحة للدفاع عن البلاد وعينها على ما يمكن أن يحمله المستقبل من تطورات. فامتنعت عن الدخول في مستنقع الصراعات، وكانت وستظل حريصة على الحيلولة دون انتقال هذه الصراعات إليها. كما قرأت قيادتنا الفذة منذ ذلك الزمن بعمق شعارات ثورة الخميني عام 1979، وكانت تتمنى أن تنجح هذه الثورة في تحقيق رفاهية الشعب الإيراني الذي عانى من استبداد نظام الشاه، كما تمنت أن تنصرف هذه "الثورة" إلى معالجة شؤون إيران الداخلية وإقامة علاقات حسن جوار مع الدول العربية. لكن "الثورة" الإيرانية خانت نفسها وتخلت عن شعاراتها واغتالت العقلاء منها ولاحقت شركاء آخرين كان لهم دور فاعل في إسقاط نظام الشاه. لكن معممي الفقيه صادروا هذه "الثورة" لصالحهم ودغدغوا شعارات الجماهير البسيطة بخرافات وأساطير وملأوا عقولهم حقدًا وضغينة على الأنظمة المجاورة، وبدأوا في "تصدير الثورة" إلى الدول العربية. والحكاية التي جرت بعد ذلك معروفة إذ أدّى هذا الشحن الطائفي إلى حرب الثماني سنوات مع العراق مما خلّف ملايين القتلى وألحق الخراب والدمار بمقدرات البلدين وكل ذلك إرضاءً لأطماع وأحلام من ينادون بولاية الفقيه، ويحاربون أي اتجاه إسلامي مغاير لهذا الفكر المتخلف. لكن المملكة، لم تكن متفرجة سلبية في الحالتين اليمنية والعراقية، ودورها في هاتين القضيتين معروف لكل المتابعين، ولدى المجتمع الدولي. وقد جاءت ظروف الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، مواتية لتحقيق الأطماع الفارسية الطائفية من بلد يغلّف السياسة بالدين، وبخاصة من الحالمين بإعادة مجد الإمبراطورية الفارسية، التي امتدت حتى اليمن، إذ لم ينسَ هؤلاء الحاقدون أن المسلمين الذين جاءوا من جزيرة العرب هم الذين حطمو نفوذها الطائفي العجمي عبر بوابة أرض السواد - العراق. وقد استفادت القيادات الدينية وقادة "الفيالق" من أخطاء الإدارة الأميركية المقصودة وغير المقصودة في تحطيم قوة العراق العسكرية والأمنية وتسليم مقاليد البلاد والعباد لمتعصبين جهلة عملوا على إقصاء السنة وحتى الشيعة العرب، وملاحقتهم وقتلهم وتشريدهم.. وعملت تلك القيادات المتآمرة على إنشاء قواعد طائفية متقدمة وخلايا نائمة وأنشأت عشرات من القنوات التلفزيونية التي تبث السموم الطائفية. ثم جاءت مسرحية المشروع النووي الإيراني وهذا التطبيل والتزمير المرافق لبرنامج التسليح الإيراني واستعراض إطلاق الصواريخ والقوارب والبوارج في مياه الخليج العربي قبالة سواحل دول مجلس التعاون بدعوى مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وكلنا يعلم بالاتفاقات غير المعلنة والمعلنة بين النظام الإيراني والإدارات الأميركية المتعاقبة. لقد ظلت القيادات الإيرانية، المحكومة بثالوث خامينائي وقيادات الحرس الثوري والرئيس الشكلي روحاني، تمارس سياسة "الضجيج" والاستعداء ضد المملكة حيث زادت تحديدًا وتيرة تهديدات لاستعداء لدول الخليج خاصة، فيما أخذت إيران في تقوية مواقعها داخل العراق من خلال الهيمنة المباشرة على القرار السياسي والاقتصادي والعسكري. إلى جانب ما كانت عليه الصورة داخل العراق التي تبدو ضبابية وسط شعارات محاربة الإرهاب وتنظيم "داعش". واختلطت الأوراق في دعم إيران وحزب الله لنظام عائلة الأسد الطائفية، والتحالف الأميركي - الإيراني العلني والخفي. ولم يكن من الواضح إلى أين ستنتهي كل هذه الأزمات. ودارت تساؤلات كثيرة: هل ستنسحب القوات الإيرانية من العراق بعد القضاء على "داعش"؟ هل ستوقف التحالف الأميركي - الإيراني؟ هل ستتخلى إيران وحزب الله عن عائلة الأسد للحصول على مكاسب في ساحات أخرى؟ أم أن إيران سوف تتمدد على حساب الدول العربية المجاورة؟ من الواضح أن شعارات "ثورة" الخميني المتمثلة في "الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل" قد تحولت إلى الموت للعرب والموت للسنّة تحديدًا، لأن الدول العربية، وليس إسرائيل، هي المتضررة من كل ما يجري، فإيران وإسرائيل دولتا تآمر وتوسع، ومن مصلحة حكومة تل أبيب بقاء نظام طائفي في إيران للدفاع عن الاحتلال الصهيوني لفلسطين تحت غطاء ديني. لذلك، فإن لعبة معارضة حكومة الاحتلال الصهيوني للمشروع النووي الإيراني لا تنطلي على أحد، ولو كانت حكومة نتنياهو المتطرفة تشعر بصدق بأن هذا المشروع يهددها لقصفته مثلما فعلت عندما دمرت مفاعل تموز العراقي في عام 1981، حتى من دون العودة إلى الحليف الأميركي. كما يشترك الطرفان الإيراني والصهيوني في هدف آخر وهو الانتقام من العراق، فاليهود لم ينسوا السبي البابلي، والإيرانيون لم ينسوا معركة القادسية، ولهذا فهما يثأران من هذا البلد العربي كل بطريقته الخاصة على الرغم من اختلاف الأدوات والأساليب. ضمن كل هذه الأجواء المحمومة، وجدت القيادة السعودية أن الخطر الإيراني يقترب من خلال وكلاء إيران والمتعاونين معهم، إذ لم يكتف "الحوثيون" والمخلوع على عبدالله صالح بالالتفاف على الشرعية وسرقة مقدرات البلاد الاقتصادية والعسكرية ومصادرة القرار السياسي الشرعي، بل أخذوا يتحرشون بالحدود السعودية الجنوبية مستمدين الجرأة من الدعم الإيراني والسياسي والعسكري لهم. لقد ظلت قيادة المملكة تراقب الحراك الشعبي الذي رفض علي عبدالله صالح، واحترمت قرار الشعب اليمني واستضافت صالح وضمّدت جراحه، لكنه عاد إلى اليمن لينقلب على الاتفاقات وليتنكر لليد التي أحسنت إليه!.. ولو التزم الحوثيون والرئيس المخلوع باللعبة السياسة لما أزعج ذلك القيادة السعودية، فلطالما أرادت الخير لشعب اليمن، وقدّمت إليه كل ما تستطيع من مساعدات، ولكن تبيّن أن "صالح" كان سارقًا وخائنًا للأمانة بشهادة الأمم المتحدة. في ضوء كل هذه الأوضاع الخطيرة، وجدت قيادة المملكة نفسها أمام استغاثة الشرعية في اليمن حكومة وشعباً، مما اضطرها لتقليم أظفار هؤلاء العابثين وتحجيمهم ووقف تخريب البلاد وإرهاب العباد والاستقواء بإيران وتغليب الانتماء المذهبي على الانتماء الوطني، وبعدما ينجلي غبار القصف، نأمل أن يكون القاصي والداني، العدو والصديق، قد فهم الرسالة وهو أن أمن المملكة والدول الخليجية، أولاً، والمنطقة العربية لاحقاً، خط أحمر لا يسمح بالعبث به. وسوف تكون هناك الكثير من الدروس المستفادة. إن كل الأنظار تتجه إلى المملكة الآن، فالكل يأمل أن تنجح قيادتنا في لملمة الشتات العربي من خلال الاستفادة من خبرة هذا التحالف الجديد، ووضع حد للاختلالات السياسية بين الدول العربية. لكن على كثيرين أن يتخلوا عن الأوهام وهي أن المملكة والتحالف الجديد لن يكون رافعة لأخطاء الآخرين. كما لن يكون هذا التحالف قوة تأثير لصالح طرف سياسي على حساب آخر، بل سيكون واجبه حماية الأمن القومي العربي بمفهومه الواسع. هذه مهمة كبيرة يتوقع العالم أن تقوم بها قيادة المملكة، وهي أهل للقيام بذلك، لكن المهمة ليست سهلة بل تتطلب تكاتفًا من مختلف الدول والأطراف وتأييدًا شعبيًا. ومن المؤكد أن الشعوب لها راداراتها الخاصة في فهم ما يجري وهي لن تبخل في بذل التضحيات وهي ترى صدق قياداتها في الميدان. فالقيادات والزعامات الملهمة والتاريخية في حياة الأمم لا يجود بها الزمان كثيرًا، ولكنها ظاهرة في شخص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان حفظهم الله، وحفظ بلادنا من كل مكروه. وأخيرًا، نودّ أن نؤكد أن الحل العسكري الجاري تنفيذه في اليمن الشقيق ليس محكومًا باعتبارات طائفية ضيقة، كما تريدها إيران والحوثيون وحزب الله الذي انبرى رئيسه حسن نصر الله إلى كيل الاتهامات والانتقادات للملكة. ولكنه عمل استباقي يتعلق باستجابة لاستغاثة الشرعية في اليمن ونجدة لأشقائنا، وذود عن أمننا الخليجي والعربي ويهدف إلى إفشال المخططات التي تستهدف أمننا ووجودنا وحرمة مقدساتنا.. إنها حرب لم نُردها ولكنها عندما فُرضت علينا لكل هذه الأسباب التي وجدت الدعم والتأييد العربي والعالمي، فإن قيادتنا ومقاتلونا وشعبنا أهل لها وسندير رحاها حتى النصر بإذن الله، ناصر الحق وجنده المخلصين.

مشاركة :